وَاسْتَثْنَى مِنْهَا مِثْلَ ذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: فِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَالِكٍ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَذِهِ ثَنَيَا مَعْلُومَةٌ، وَلِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَعْلُومًا أَشْبَهَ مَا إذَا اسْتَثْنَى مِنْهَا جُزْءًا.
وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَهَى عَنْ الثُّنْيَا.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَلِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ لَا بِالْقَدْرِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمُشَاهَدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي كَمْ يَبْقَى فِي حُكْمِ الْمُشَاهَدَةِ، فَلَمْ يَجُزْ، وَيُخَالِفُ الْجُزْءَ؛ فَإِنَّهُ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْمُشَاهَدَةِ، وَلَا يَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِهَا.
[فَصْلٌ بَاعَ شَجَرَةً أَوْ نَخْلَةً وَاسْتَثْنَى أَرْطَالًا مَعْلُومَةً]
(٢٩٢٩) فَصْلٌ: وَإِنْ بَاعَ شَجَرَةً، أَوْ نَخْلَةً، وَاسْتَثْنَى أَرْطَالًا مَعْلُومَةً، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ بَاعَ حَائِطًا وَاسْتَثْنَى آصُعًا. وَقَالَ الْقَاضِي فِي " شَرْحِهِ ": يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجَازُوا اسْتِثْنَاءَ سَوَاقِطِ الشَّاةِ. وَالصَّحِيحُ، مَا ذَكَرْنَاهُ. وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَسْأَلَةِ الصَّاعِ مِنْ الْحَائِطِ وَإِلَيْهَا أَقْرَبُ، وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهَا مُتَحَقِّقٌ هَاهُنَا، فَلَا يَصِحُّ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْفَصْلُ الثَّانِي اسْتَثْنَى مِنْ الْمَبِيعِ نَخْلَةً أَوْ شَجَرَةً بِعَيْنِهَا]
(٢٩٣٠) الْفَصْلُ الثَّانِي، أَنَّهُ إذَا اسْتَثْنَى نَخْلَةً، أَوْ شَجَرَةً بِعَيْنِهَا، جَازَ. وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَعْلُومٌ، وَلَا يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. وَإِنْ اسْتَثْنَى شَجَرَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَصَارَ الْمَبِيعُ وَالْمُسْتَثْنَى مَجْهُولَيْنِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ بَاعَ ثَمَرَتَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ، وَاسْتَثْنَى طَعَامَ الْقِيَانِ. وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ اسْتَثْنَى نَخْلًا مُعَيَّنًا بِقَدْرِ طَعَامِ الْقِيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَكَانَ مُخَالِفًا «لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الثُّنْيَا إلَّا أَنْ تُعْلَمَ.» وَلِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مَتَى كَانَ مَجْهُولًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْبَاقِي بَعْدَهُ مَجْهُولًا، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الثَّمَرَةِ طَعَامَ الْقِيَانِ.
[فَصْلٌ اسْتَثْنَى جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الصُّبْرَةِ أَوْ الْحَائِطِ مُشَاعًا]
(٢٩٣١) فَصْلٌ: وَإِنْ اسْتَثْنَى جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الصُّبْرَةِ أَوْ الْحَائِطِ مُشَاعًا، كَثُلُثٍ، أَوْ رُبْعٍ، أَوْ أَجْزَاءٍ، كَسَبْعِينَ، أَوْ ثَلَاثَةِ أَثْمَانٍ، صَحَّ الْبَيْعُ وَالِاسْتِثْنَاءُ. ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا يَجُوزُ. وَلَنَا أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْتَثْنَى وَلَا الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً بِعَيْنِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى: بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ إلَّا ثُلُثَهَا. أَيْ بِعْتُك ثُلُثَيْهَا. وَقَوْلُهُ: إلَّا رُبْعَهَا مَعْنَاهُ: بِعْتُك ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا. وَلَوْ بَاعَ حَيَوَانًا، وَاسْتَثْنَى ثُلُثَهُ، جَازَ، وَكَانَ مَعْنَاهُ بِعْتُك ثُلُثَيْهِ. وَمَنَعَ مِنْهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى قِيَاسًا عَلَى اسْتِثْنَاءِ الشَّحْمِ.
وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الشَّحْمَ مَجْهُولٌ لَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ، وَهَذَا مَعْلُومٌ؛ وَيَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ،