[مَسْأَلَةٌ طَلَّقَهَا ثُمَّ أَشْهَدْ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ فَاعْتَدَّتْ ثُمَّ نَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا]
(٦١٠٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا طَلَّقَهَا، ثُمَّ أَشْهَدْ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَاعْتَدَّتْ، ثُمَّ نَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا، رُدَّتْ إلَيْهِ، وَلَا يُصِيبُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى هِيَ زَوْجَةُ الثَّانِي وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ زَوْجَ الرَّجْعِيَّةِ إذَا رَاجَعَهَا، وَهِيَ لَا تَعْلَمُ، صَحَّتْ الْمُرَاجَعَةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى رِضَاهَا، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى عِلْمِهَا كَطَلَاقِهَا. فَإِذَا رَاجَعَهَا وَلَمْ تَعْلَمْ، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَتَزَوَّجَتْ، ثُمَّ جَاءَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ رَاجَعَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، ثَبَتَ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، وَأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِي فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ غَيْرِهِ، وَتُرَدُّ إلَى الْأَوَّلِ، سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا.
هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ مِنْهُمْ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ، إنْ دَخَلَ بِهَا الثَّانِي فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَيَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَوَّلِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، وَنَافِعٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقَدَ عَلَيْهَا، وَهِيَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ فِي الظَّاهِرِ، وَمَعَ الثَّانِي مَزِيَّةُ الدُّخُولِ، فَقُدِّمَ بِهَا. وَلَنَا أَنَّ الرَّجْعَةَ قَدْ صَحَّتْ، وَتَزَوَّجَتْ وَهِيَ زَوْجَةُ الْأَوَّلِ، فَلَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهَا، كَمَا لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا.
فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ الثَّانِي مَا دَخَلَ بِهَا، فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَرُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّانِي. وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا، فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَطْءُ شُبْهَةٍ، وَتَعْتَدُّ، وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ. وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا، رُدَّتْ إلَى الْأَوَّلِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ. وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ. وَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَهَا مَعَ عِلْمِهَا بِالرَّجْعَةِ، أَوْ عِلْمِ أَحَدِهِمَا، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَالْوَطْءُ مُحَرَّمٌ عَلَى مَنْ عَلِمَ مِنْهُمَا، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الزَّانِي فِي الْحَدِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ امْرَأَةَ غَيْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ. فَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لِمُدَّعِي الرَّجْعَةِ بَيِّنَةٌ، فَأَنْكَرَهُ أَحَدُهُمَا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَلَكِنْ إنْ أَنْكَرَاهُ جَمِيعًا، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ فِي حَقِّهِمَا، وَإِنْ اعْتَرَفَا لَهُ بِالرَّجْعَةِ، ثَبَتَتْ، وَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ سَوَاءً.
وَإِنْ أَقَرَّ لَهُ الزَّوْجُ وَحْدَهُ، فَقَدْ اعْتَرَفَ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ، فَتَبِينُ مِنْهُ، وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ نِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى الْمَرْأَةِ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا عَنْهُ، وَلَا تُسَلَّمُ الْمَرْأَةُ إلَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ الثَّانِي عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ فِي حَقِّهِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا. وَهَلْ هُوَ مَعَ يَمِينِهَا أَوْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَسْتَحْلِفُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهَا، فَإِذَا أَنْكَرَتْ لَمْ تَجِبْ الْيَمِينُ بِإِنْكَارِهَا. وَإِنْ اعْتَرَفَتْ الْمَرْأَةُ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute