يَنْعَكِسُ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقِصَاصَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِقَتْلِ وَاحِدٍ، وَأَنَّ قَتْلَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ لَا يَزْدَادُ بِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ، بَادَرَ إلَى قَتْلِ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ، وَفَعَلَ مَا يَشْتَهِي فِعْلَهُ، فَيَصِيرُ هَذَا كَإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ عَنْهُ ابْتِدَاءً مَعَ الدِّيَةِ. (٦٦٧٤) فَصْلٌ: وَإِنْ طَلَبَ كُلُّ وَلِيٍّ قَتْلَهُ بِوَلِيِّهِ، مُسْتَقِلًّا مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ، قُدِّمَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ، وَلِأَنَّ الْمَحَلَّ صَارَ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِالْقَتْلِ الْأَوَّلِ. فَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْأَوَّلِ، فَلِوَلِيِّ الثَّانِي قَتْلُهُ. وَإِنْ طَالَبَ وَلِيُّ الثَّانِي قَبْلَ طَلَبِ الْأَوَّلِ، بَعَثَ الْحَاكِمُ إلَى وَلِيِّ الْأَوَّلِ فَأَعْلَمَهُ. وَإِنْ بَادَرَ الثَّانِي فَقَتَلَهُ، أَسَاءَ، وَسَقَطَ حَقُّ الْأَوَّلِ إلَى الدِّيَةِ. وَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ غَائِبًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا، اُنْتُظِرَ.
وَإِنْ عَفَا أَوْلِيَاءُ الْجَمِيعِ إلَى الدِّيَاتِ، فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَإِنْ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَتَشَاحُّوا فِي الْمُسْتَوْفِي، أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ، فَقُدِّمَ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ لِتَسَاوِي حُقُوقِهِمْ. وَإِنْ بَادَرَ غَيْرُهُ فَقَتَلَهُ، اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ إلَى الدِّيَةِ. وَإِنْ قَتَلَهُمْ مُتَفَرِّقًا، وَأَشْكَلَ الْأَوَّلُ، أَوْ ادَّعَى كُلُّ وَلِيٍّ أَنَّهُ الْأَوَّلُ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ، فَأَقَرَّ الْقَاتِلُ لَأَحَدِهِمْ، قُدِّمَ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ، أَقْرَعَنَا بَيْنَهُمْ؛ لِاسْتِوَاءِ حُقُوقِهِمْ.
[فَصْلٌ قَطَعَ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ]
(٦٦٧٥) فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ يَمِينَيْ رَجُلَيْنِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْأَنْفُسِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْصِيلِ وَالِاخْتِلَافِ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ قَالُوا: يُقَادُ لَهُمَا جَمِيعًا، وَيَغْرَمُ لَهُمَا دِيَةَ الْيَدِ فِي مَالِهِ نِصْفَيْنِ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى إيجَابِ الْقَوَدِ فِي بَعْضِ الْعُضْوِ وَالدِّيَةِ فِي بَعْضِهِ، وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، وَلَا نَظِيرَ لَهُ يُقَاسُ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَ آخَرُ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى نَفْسِ الْمَقْطُوعِ فَمَاتَ]
(٦٦٧٦) فَصْلٌ: وَإِنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ، ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى نَفْسِ الْمَقْطُوعِ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ لَهُمَا، فَإِذَا تَشَاحَّا فِي الْمُسْتَوْفِي لِلْقَتْلِ، قُتِلَ بِاَلَّذِي قَتَلَهُ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَسْبَقُ، فَإِنَّ الْقَتْلَ بِاَلَّذِي قَطَعَهُ إنَّمَا وَجَبَ عِنْدَ السِّرَايَةِ، وَهِيَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ قَتْلِ الْآخَرِ، وَأَمَّا الْقَطْعُ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَسْتَوْفِي مِنْهُ مِثْلُ مَا فَعَلَ. فَإِنَّهُ يُقْطَعُ لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُقْتَلُ لِلَّذِي قَتَلَهُ، وَيَجِبُ لِلْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْتَوْفِي الْقَطْعُ. وَجَبَتْ لَهُ الدِّيَةُ كَامِلَةً، وَلَمْ يُقْطَعْ طَرَفُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجِبَ لَهُ الْقَطْعُ عَلَى كُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْقَتْلِ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْقَتْلِ. فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَتْلِ، وَجَبَ اسْتِيفَاءُ الطَّرَفِ لِوُجُوبِ مُقْتَضِيه، وَعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ اسْتِيفَائِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَسْرِ. وَلَوْ كَانَ قَطْعُ الْيَدِ لَمْ يَسْرِ إلَى النَّفْسِ، فَإِنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُقْتَلُ، وَسَوَاءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute