الْتِزَامِ وَصِيَّتِهِ، وَمَنَعَهُ بِذَلِكَ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، فِي " الْإِرْشَادِ " رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِذَلِكَ. وَلَنَا، أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالْإِذْنِ، فَكَانَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ، كَالْوَكِيلِ.
[فَصْلٌ الرَّجُلِ يُوصِي إلَى الرَّجُلِ وَيَجْعَلُ لَهُ دَرَاهِم مُسَمَّاةً]
(٤٧٨٠) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِلْوَصِيِّ جُعْلًا؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ، وَالْوَكَالَةُ تَجُوزُ بِجُعْلٍ، فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ. وَقَدْ نَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، فِي الرَّجُلِ يُوصِي إلَى الرَّجُلِ، وَيَجْعَلُ لَهُ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً، فَلَا بَأْسَ. وَمُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ الْمُوصَى لَهُ جَائِزَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُمْ، وَمُقَاسَمَتُهُ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ لَا تَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ.
[فَصْلٌ أُوصَى إلَى رَجُلٍ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى مَنْ يَشَاءُ]
(٤٧٨١) فَصْلٌ: وَإِذَا أَوْصَى إلَى رَجُلٍ، وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى مَنْ يَشَاءُ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: أَذِنْت لَك أَنْ تُوصِيَ إلَى مَنْ شِئْت، أَوْ كُلُّ مَنْ أَوْصَيْت إلَيْهِ فَقَدْ أَوْصَيْت إلَيْهِ، أَوْ فَهُوَ وَصِيٌّ صَحَّ، وَلَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى مَنْ شَاءَ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِاجْتِهَادِهِ وَاجْتِهَادِ مَنْ يَرَاهُ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ وَصَّى إلَيْهِمَا مَعًا. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَحُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِتَوْلِيَةٍ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُوصِيَ، كَالْوَكِيلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِغَيْرِهِ، كَالْوَكِيلِ إذَا أُمِرَ بِالتَّوْكِيلِ، وَالْوَكِيلُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. فَأَمَّا إنْ أَوْصَى إلَيْهِ، وَأَطْلَقَ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْإِيصَاءِ وَلَا نَهَاهُ عَنْهُ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، لَهُ أَنْ يُوصِيَ إلَى غَيْرِهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْأَبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فَكَانَ لَهُ الْوَصِيَّةُ، كَالْأَبِ. وَالثَّانِيَةُ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَإِسْحَاقَ. وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الْخِرَقِيِّ؛ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ فِي الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِتَوْلِيَةٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفْوِيضُ، كَالْوَكِيلِ، وَيُخَالِفُ الْأَبَ؛ لِأَنَّهُ يَلِي بِغَيْرِ تَوْلِيَةٍ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَا وَصِيَّيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا]
(٤٧٨٢) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ كَانَا وَصِيَّيْنِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا، أُقِيمَ مُقَامَ الْمَيِّتِ أَمِينٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ الْوَصِيَّةُ إلَى اثْنَيْنِ، فَمَتَى أَوْصَى إلَيْهِمَا مُطْلَقًا، لَمْ يَجُزْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ جُنَّ، أَوْ وُجِدَ مِنْهُ مَا يُوجِبُ عَزْلَهُ، أَقَامَ الْحَاكِمُ مُقَامَهُ أَمِينًا؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute