للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَارِسُ فَارِسٌ، وَالرَّاجِلُ رَاجِلٌ. لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْحَرْبِ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ، فَلَا يَتَغَيَّرُ سَهْمُهُ بِذَهَابِ دَابَّتِهِ، أَوْ حُصُولِ دَابَّةٍ لَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ بَعْدَ الْقِتَالِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْفَرَسَ حَيَوَانٌ يُسْهَمُ لَهُ، فَاعْتُبِرَ وُجُودُهُ حَالَ الْقِتَالِ، فَيُسْهَمُ لَهُ مَعَ الْوُجُودِ فِيهِ، وَلَا يُسْهَمُ لَهُ مَعَ الْعَدَمِ، كَالْآدَمِيِّ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ حَالَةَ اسْتِحْقَاقِ السَّهْمِ حَالَةٌ تَقْتَضِي الْحَرْبَ، بِدَلِيلِ قَوْلِ عُمَرَ الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ.

وَلِأَنَّهَا الْحَالُ الَّتِي يَحْصُلُ فِيهَا الِاسْتِيلَاءُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْأَمْوَالَ فِي أَيْدِي أَصْحَابِهَا، وَلَا نَدْرِي هَلْ يَظْفَرُ بِهِمْ أَوْ لَا؟ وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَ الِاسْتِيلَاءِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَلَوْ وُجِدَ مَدَدٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ، أَوْ انْفَلَتَ أَسِيرُ فَلَحِقَ بِالْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ فَقَاتَلُوا، اسْتَحَقُّوا السَّهْمَ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالَةِ الْإِحْرَازِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ دُونِ غَيْرِهِ.

[مَسْأَلَة سَهْم الْفَارِس وَالْفَرَس فِي الْغَنِيمَة]

(٧٤٩٣) قَالَ: (وَيُعْطِي ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ؛ سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ) أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ تُقْسَمُ لِلْفَارِسِ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ؛ سَهْمٌ لَهُ، وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَحُسَيْنِ بْنِ ثَابِتٍ، وَعَوَامِّ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ؛ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالثَّوْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْفَرَسِ سَهْمٌ وَاحِدٌ.

لِمَا رَوَى مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَمَ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ، وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَلِأَنَّهُ حَيَوَانٌ ذُو سَهْمٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى سَهْمٍ، كَالْآدَمِيِّ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ يَوْمَ خَيْبَرَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ؛ سَهْمَانِ لِفَرَسِهِ، وَسَهْمٌ لَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَعَنْ أَبِي رُهْمٍ وَأَخِيهِ، أَنَّهُمَا كَانَا فَارِسَيْنِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَأُعْطِيَا سِتَّةَ أَسْهُمٍ؛ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِمَا، وَسَهْمَيْنِ لَهُمَا. رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا. وَقَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ: لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَسْهَمَ هَكَذَا لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ، وَلِصَاحِبِهِ سَهْمًا، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ سُهْمَانَ الْخَيْلِ مِمَّا فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهْمَيْنِ لِلْفَرَسِ، وَسَهْمًا لِلرَّاجِلِ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ حَدِيثًا مَا أَشْعَرَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَمَّ بِانْتِقَاضِ ذَلِكَ، فَمَنْ هَمَّ بِانْتِقَاضٍ فَعَاقِبْهُ، وَالسَّلَامُ عَلَيْك. رَوَاهُمَا سَعِيدٌ، وَالْأَثْرَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>