وَرَوَى أَيْضًا فِي كِتَابِهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: وَالصَّلَاةُ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ اللَّهُ، لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ؛ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ حِينَ يُزَايِلُ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَيَحْرُمُ عَلَى الصَّائِمِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ، فَأَعْطُوهَا نَصِيبَهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إذَا كَانَ الْقَيْظُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ، حِينَ يَكُونُ ظِلُّك مِثْلَك، وَذَلِكَ حِينَ يُهَجِّرُ الْمُهَجِّرُ وَذَلِكَ لِئَلَّا يَرْقُدَ عَنْ الصَّلَاةِ، فَإِذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ فَحِينَ تَزِيغُ عَنْ الْفَلَكِ حَتَّى تَكُونَ عَلَى حَاجِبِك الْأَيْمَنِ، وَالْعَصْرُ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ تَصْفَرَّ، وَالْمَغْرِبُ حِينَ يُفْطِرُ الصَّائِمُ، وَالْعِشَاءُ حِينَ يَغْسِقُ اللَّيْلُ، وَتَذْهَبُ حُمْرَةُ الْأُفُقِ إلَى أَنْ يَذْهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، مَنْ نَامَ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا أَرْقَدَ اللَّهُ عَيْنَهُ. هَذِهِ مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: ١٠٣]
[فَصْل تَعْجِيلِ الظُّهْرِ فِي غَيْرِ الْحَرِّ وَالْغَيْمِ]
(٥٣٤) فَصْلٌ: وَلَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ، فِي غَيْرِ الْحَرِّ وَالْغَيْمِ، خِلَافًا. قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَذَلِكَ لِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ وَجَابِرٍ، وَغَيْرِهِمَا، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا رَأَيْت أَحَدًا كَانَ أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلظُّهْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَلَا مِنْ عُمَرَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَقْتُ الْأَوَّلُ مِنْ الصَّلَاةِ رِضْوَانُ اللَّهِ، وَالْوَقْتُ الْأَخِيرُ عَفْوُ اللَّهِ تَعَالَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ.
وَأَمَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَكَلَامُ الْخِرَقِيِّ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْإِبْرَادِ بِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. قَالَ الْأَثْرَمُ: وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَوَاءٌ، يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا فِي الشِّتَاءِ وَالْإِبْرَادُ بِهَا فِي الْحَرِّ. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِظَاهِرِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحُرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا عَامٌّ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: شِدَّةُ الْحَرِّ، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْبُلْدَانِ الْحَارَّةِ وَمَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ، فَأَمَّا مَنْ صَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ بِفِنَاءِ بَيْتِهِ، فَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُهَا.
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِيَنْكَسِرَ الْحَرُّ، وَيَتَّسِعَ فِي الْحِيطَانِ، وَيَكْثُرَ السَّعْيُ إلَى الْجَمَاعَاتِ، وَمَنْ لَا يُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى التَّأْخِيرِ. وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبُلْدَانِ الْحَارَّةِ وَغَيْرِهَا وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الْمَسْجِدِ يَنْتَابُهُ النَّاسُ أَوْ لَا، فَإِنَّ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، كَانَ يُؤَخِّرُهَا فِي مَسْجِدِهِ وَلَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ. وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ أَوْلَى. وَمَعْنَى الْإِبْرَادِ بِهَا، تَأْخِيرُهَا حَتَّى يَنْكَسِرَ الْحَرُّ، وَيَتَّسِعَ فِي الْحِيطَانِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ: أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute