وَاعْتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ زِنًا صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ اللَّفْظَيْنِ جَمِيعًا، وَقَدْ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُنِي خَلْقًا وَخُلُقًا، أَوْ أَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ فَاسِدٍ. فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَلَدَ فِي اللِّعَانِ، لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ. فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَهُ، أَعَادَ اللِّعَانَ، وَيَذْكُرُ نَفْيَ الْوَلَدِ فِيهِ.
[فَصْلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا بِرَجُلِ بِعَيْنِهِ]
(٦٢٩١) فَصْلٌ: وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزِّنَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ، فَقَدْ قَذَفَهُمَا، وَإِذَا لَاعَنَهَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لَهُمَا، سَوَاءٌ ذَكَرَ الرَّجُلَ فِي لِعَانِهِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةُ، وَأَيُّهُمَا طَالَبَ، حُدَّ لَهُ، وَمَنْ لَمْ يُطَالِبْ، فَلَا يُحَدُّ لَهُ، كَمَا لَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِالزِّنَا بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، إلَّا فِي أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ حَدُّهُ بِلِعَانِهَا. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْقَذْفُ لِلزَّوْجَةِ وَحْدَهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا حَقٌّ فِي الْمُطَالَبَةِ وَلَا الْحَدِّ؛ لِأَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَلَمْ يَحُدَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عَزَّرَهُ لَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يَجِبُ الْحَدُّ لَهُمَا، وَهَلْ يَجِبُ حَدٌّ وَاحِدٌ أَوْ حَدَّانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجِبُ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ، قَوْلًا وَاحِدًا. وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ إذَا لَاعَنَ، وَذَكَرَ الْأَجْنَبِيَّ فِي لِعَانِهِ، أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ. وَلَنَا، أَنَّ اللِّعَانَ بَيِّنَةٌ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ، فَكَانَ بَيِّنَةً فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ، كَالشَّهَادَةِ، وَلِأَنَّ بِهِ حَاجَةً إلَى قَذْفِ الزَّانِي، لِمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاشِهِ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لِيَسْتَدِلَّ بِشَبَهِ الْوَلَدِ لِلْمَقْذُوفِ عَلَى صِدْقِ قَاذِفِهِ. كَمَا اسْتَدَلَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى صِدْقِ هِلَالٍ بِشَبَهِ الْوَلَدِ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ، فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ حُكْمَ قَذْفِهِ مَا أَسْقَطَ حُكْمَ قَذْفِهَا، قِيَاسًا لَهُ عَلَيْهَا.
[فَصْلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً أَوْ أَجْنَبِيًّا بِكَلِمَتَيْنِ]
(٦٢٩٢) فَصْلٌ: وَلَوْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَأَجْنَبِيَّةً أَوْ أَجْنَبِيًّا بِكَلِمَتَيْنِ، فَعَلَيْهِ حَدَّانِ لَهُمَا، فَيَخْرُجُ مِنْ حَدِّ الْأَجْنَبِيَّةِ بِالْبَيِّنَةِ خَاصَّةً، وَمِنْ حَدِّ الزَّوْجَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ اللِّعَانِ. وَإِنْ قَذَفَهُمَا بِكَلِمَةٍ، فَكَذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُلَاعِنْ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ، فَهَلْ يُحَدُّ لَهُمَا حَدًّا وَاحِدًا أَوْ حَدَّيْنِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا، يُحَدُّ حَدًّا وَاحِدًا. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ. وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ: سَوَاءٌ كَانَ بِكَلِمَةٍ أَوْ بِكَلِمَاتٍ؛ لِأَنَّهُمَا حُدُودٌ مِنْ جِنْسٍ، فَوَجَبَ أَنْ تَتَدَاخَلَ، كَحُدُودِ الزِّنَا. وَالثَّانِيَةُ: إنْ طَالَبُوا مُجْتَمِعِينَ فَحَدٌّ وَاحِدٌ، وَإِنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا فِي الطَّلَبِ، أَمْكَنَ إيفَاؤُهُمْ بِالْحَدِّ الْوَاحِدِ، وَإِذَا تَفَرَّقُوا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُ الْحَدِّ الْوَاحِدِ إيفَاءً لِمَنْ لَمْ يُطَالِبْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إقَامَةُ الْحَدِّ لَهُ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي الْجَدِيدِ: يُقَامُ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدٌّ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ لِآدَمِيِّينَ، فَلَمْ تَتَدَاخَلْ، كَالدُّيُونِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute