النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ سَلًّا.» وَمَا ذُكِرَ عَنْ النَّخَعِيِّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ بِخِلَافِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْعَدَدِ الْكَثِيرِ أَنْ يُغَيِّرُوا سُنَّةً ظَاهِرَةً فِي الدَّفْنِ إلَّا بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ، أَوْ سُلْطَانٍ قَاهِرٍ.
قَالَ: وَلَمْ يُنْقَلْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَلَوْ ثَبَتَ فَسُنَّةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُقَدَّمَةٌ عَلَى فِعْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِنْ كَانَ الْأَسْهَلُ عَلَيْهِمْ أَخْذَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ، أَوْ مِنْ رَأْسِ الْقَبْرِ، فَلَا حَرَجَ فِيهِ، لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ أَخْذِهِ مِنْ رِجْلَيْ الْقَبْرِ، إنَّمَا كَانَ طَلَبًا لِلسُّهُولَةِ عَلَيْهِمْ، وَالرِّفْقِ بِهِمْ فَإِذَا كَانَ الْأَسْهَلُ غَيْرَهُ كَانَ مُسْتَحَبًّا. قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلٌّ لَا بَأْسَ بِهِ.
[فَصْلٌ يُعَمَّقُ الْقَبْرُ إلَى الصَّدْرِ]
(١٥٧٦) فَصْلٌ: قَالَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يُعَمَّقُ الْقَبْرُ إلَى الصَّدْرِ، الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ. كَانَ الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ يَسْتَحِبَّانِ أَنْ يُعَمَّقُ الْقَبْرُ إلَى الصَّدْرِ. وَقَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُهَاجِرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ، أَمَرَهُمْ أَنْ يَحْفِرُوا قَبْرَهُ إلَى السُّرَّةِ وَلَا يُعَمِّقُوا، فَإِنَّ مَا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَفْضَلُ مِمَّا سَفَلَ مِنْهَا. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَمَّقَ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةً.
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «احْفِرُوا، وَأَوْسِعُوا، وَأَعْمِقُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَوْصَى بِذَلِكَ فِي قَبْرِهِ، وَلِأَنَّهُ أَحْرَى أَنْ لَا تَنَالَهُ السِّبَاعُ، وَأَبْعَدُ عَلَى مَنْ يَنْبُشُهُ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَعْمِيقُهُ إلَى الصَّدْرِ، لِأَنَّ التَّعْمِيقَ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ يَشُقُّ، وَيَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ.
وَقَوْلُ النَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَعْمِقُوا) لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ لِقَدْرِ التَّعْمِيقِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَوْصَى بِذَلِكَ فِي قَبْرِهِ، وَلَوْ صَحَّ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَمْ يَعْدُهُ إلَى غَيْرِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُهُ وَتَعْمِيقُهُ وَتَوْسِيعُهُ؛ لِلْخَبَرِ. وَقَدْ رَوَى زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَبْرٍ، فَقَالَ: (اصْنَعُوا كَذَا، اصْنَعُوا كَذَا) ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بِي أَنْ يَكُونَ يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إذَا عُمِلَ الْعَمَلُ أَنْ يُحْكَمَ» قَالَ مَعْمَرُ وَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ: " وَلَكِنَّهُ أَطْيَبُ لِأَنْفُسِ أَهْلِهِ " رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ.
[فَصْلٌ السُّنَّةُ أَنْ يُلْحَدَ قَبْرُ الْمَيِّتِ]
(١٥٧٧) فَصْلٌ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يُلْحَدَ قَبْرُ الْمَيِّتِ، كَمَا صُنِعَ بِقَبْرِ النَّبِيِّ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ الْحَدُوا لِي لَحْدًا، وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَى اللَّحْدِ، أَنَّهُ إذَا بَلَغَ أَرْضَ الْقَبْرِ حَفَرَ فِيهِ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ مَكَانًا يُوضَعُ الْمَيِّتُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رَخْوَةً جَعَلَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute