للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ تُكْرَهُ الْخِطْبَةُ لِلْمُحْرِمِ وَخِطْبَةُ الْمُحْرِمَةِ وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَخْطُب لِلْمَحِلَّيْنِ]

(٢٣٨٤) فَصْلٌ: وَتُكْرَهُ الْخِطْبَةُ لِلْمُحْرِمِ، وَخِطْبَةُ الْمُحْرِمَةِ، وَيُكْرَهُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَخْطُبَ لِلْمُحِلَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ عُثْمَانَ: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ، وَلَا يُنْكِحُ، وَلَا يَخْطُبُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّهُ تَسَبُّبٌ إلَى الْحَرَامِ، فَأَشْبَهَ الْإِشَارَةَ إلَى الصَّيْدِ. وَالْإِحْرَامُ الْفَاسِدُ كَالصَّحِيحِ فِي مَنْعِ النِّكَاح، وَسَائِرِ الْمَحْظُورَات؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ بَاقٍ فِي وُجُوبِ مَا يَجِبُ فِي الْإِحْرَامِ، فَكَذَلِكَ مَا يَحْرُمُ بِهِ.

[فَصْل لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْمُحْرِمِينَ]

(٢٣٨٥) فَصْلٌ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَشْهَدَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَنَةٌ عَلَى النِّكَاحِ فَأَشْبَهَ الْخِطْبَةَ. وَإِنْ شَهِدَ أَوْ خَطَبَ، لَمْ يَفْسُدْ النِّكَاحُ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ الْمُحْرِمِينَ؛ لِأَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: (وَلَا يَشْهَدُ. وَلَنَا، أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلشَّاهِدِ فِي الْعَقْدِ، فَأَشْبَهَ الْخَطِيبَ، وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ، فَلَمْ يَثْبُتْ بِهَا حُكْمٌ. وَمَتَى تَزَوَّجَ الْمُحْرِمُ، أَوْ زَوَّجَ، أَوْ زَوَّجَتْ مُحْرِمَةٌ، لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ فِدْيَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَسَدَ لِأَجْلِ الْإِحْرَامِ، فَلَمْ تَجِبْ بِهِ فِدْيَةٌ، كَشِرَاءِ الصَّيْدِ.

[مَسْأَلَة الْحَجَّ لَا يَفْسُدُ بِإِتْيَانِ شَيْءٍ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ إلَّا الْجِمَاعَ]

(٢٣٨٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ وَطِئَ الْمُحْرِمُ فِي الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ، أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، فَقَدْ فَسَدَ حَجُّهُمَا، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ إنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا، وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ) أَمَّا فَسَادُ الْحَجِّ بِالْجِمَاعِ فِي الْفَرْجِ، فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَفْسُدُ بِإِتْيَانِ شَيْءٍ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ إلَّا الْجِمَاعَ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ، فَقَالَ: إنِّي وَقَعْت بِامْرَأَتِي، وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ. فَقَالَ: أَفْسَدْت حَجَّك، انْطَلِقْ أَنْتَ وَأَهْلُك مَعَ النَّاسِ، فَاقْضُوا مَا يَقْضُونَ، وَحِلَّ إذَا حَلُّوا، فَإِذَا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَاحْجُجْ أَنْتَ وَامْرَأَتُك، وَاهْدِيَا هَدْيًا، فَإِنْ لَمْ تَجِدَا، فَصُومَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْتُمْ. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو. لَمْ نَعْلَمْ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ مُخَالِفًا.

رَوَى حَدِيثَهُمْ الْأَثْرَمُ فِي (سُنَنِهِ) ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (وَيَتَفَرَّقَانِ) مِنْ حَيْثُ يُحْرِمَانِ، حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَعْلَى شَيْءٍ رُوِيَ فِي مَنْ وَطِئَ فِي حَجِّهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْوُقُوفِ وَبَعْدَهُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ فَسَدَ حَجُّهُ، وَإِنْ جَامَعَ بَعْدَهُ لَمْ يَفْسُدْ؛ لِقَوْلِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَجُّ عَرَفَةَ» . وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَأْمَنُ بِهِ الْفَوَاتَ، فَأَمِنَ بِهِ الْفَسَادَ، كَالتَّحَلُّلِ.

وَلَنَا، أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَيْنَا قَوْلَهُمْ، مُطْلَقٌ فِي مَنْ وَاقَعَ مُحْرِمًا، وَلِأَنَّهُ جِمَاعٌ صَادَفَ إحْرَامًا

<<  <  ج: ص:  >  >>