للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ صَحِيحًا فِيهِمَا، وَإِنَّمَا طَرَأَ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي إحْدَاهُمَا، فَلَمْ يُؤَثِّرْ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ، ثُمَّ رَدَّ أَحَدَهُمَا بِعَيْبِ أَوْ خِيَارٍ أَوْ إقَالَةٍ، وَالرَّاهِنُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إقْبَاضِ الْبَاقِيَةِ وَبَيْنَ مَنْعِهَا.

وَإِنْ كَانَ التَّلَفُ بَعْد قَبْضِ الْأُخْرَى، فَقَدْ لَزِمَ الرَّهْنُ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ؛ لِتَعَذُّرِ الرَّهْنِ بِكَمَالِهِ، فَإِنْ رَضِيَ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِبَدَلِ التَّالِفَةِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يَلْزَمْ فِيهَا، وَتَكُونُ الْمَقْبُوضَةُ رَهْنًا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ. وَلَوْ تَلِفَتْ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ بَعْد الْقَبْضِ، فَلَا خِيَارَ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَوْ تَلِفَ كُلُّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ، فَإِذَا تَلِفَ بَعْضُهُ أَوْلَى.

ثُمَّ إنْ كَانَ تَلَفُهَا بَعْدَ قَبْضِ الْعَيْنِ الْأُخْرَى، فَقَدْ لَزِمَ الرَّهْنُ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ قَبْضِ الْأُخْرَى، فَالرَّاهِنُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إقْبَاضِهَا وَبَيْنَ تَرْكِهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ تَقْبِيضِهَا، ثَبَتَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَتْلَفْ الْأُخْرَى.

[فَصْلٌ رَهَنَهُ دَارًا فَانْهَدَمَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا]

(٣٢٨٨) فَصْلٌ: وَإِنْ رَهَنَهُ دَارًا فَانْهَدَمَتْ قَبْلَ قَبْضِهَا، لَمْ يَنْفَسِخْ عَقْدُ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهَا لَمْ تَذْهَبْ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّ عَرْصَتَهَا وَأَنْقَاضَهَا بَاقِيَةٌ، وَيَثْبُتُ لِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ إنْ كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّبَتْ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَا يَنْفَسِخُ عَقْدُ الرَّهْنِ كَمَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؟ قُلْنَا: الْإِجَارَةُ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةِ السُّكْنَى، وَقَدْ تَعَذَّرَتْ وَعَدِمَتْ، فَبَطَلَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَالرَّهْنُ عَقْدُ اسْتِيثَاقٍ يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ الَّتِي فِيهَا الْمَالِيَّةُ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ.

فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْعَرْصَةُ وَالْأَنْقَاضُ مِنْ الْأَخْشَابِ وَالْأَحْجَارِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْيَانِ وَالْأَنْقَاضُ مِنْهَا، وَمَا دَخَلَ فِي الْعَقْدِ اسْتَقَرَّ بِالْقَبْضِ.

[فَصْلٌ كُلُّ عَيْنٍ جَازَ بَيْعُهَا جَازَ رَهْنُهَا]

(٣٢٨٩) فَصْلٌ: وَكُلُّ عَيْنٍ جَازَ بَيْعُهَا جَازَ رَهْنُهَا؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الرَّهْنِ الِاسْتِيثَاقُ بِالدَّيْنِ لِلتَّوَصُّلِ إلَى اسْتِيفَائِهِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ إنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ ذِمَّةِ الرَّاهِنِ، وَهَذَا يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ عَيْنٍ جَازَ بَيْعُهَا، وَلِأَنَّ مَا كَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَانَ مَحَلًّا لِحِكْمَةِ الرَّهْنِ، وَمَحِلُّ الشَّيْءِ مَحِلُّ حِكْمَتِهِ، إلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ مِنْ ثُبُوتِهِ، أَوْ يَفُوتَ شَرْطٌ، فَيَنْتَفِيَ الْحُكْمُ لِانْتِفَائِهِ، فَيَصِحُّ رَهْنُ الْمُشَاعِ لِذَلِكَ.

وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٌ، وَالْبَتِّيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَسَوَّارٌ، وَالْعَنْبَرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا يَصِحُّ رَهْنُهُ، إلَّا أَنْ يَرْهَنَهُ مِنْ شَرِيكِهِ، أَوْ يَرْهَنَهَا الشَّرِيكَانِ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، أَوْ يَرْهَنَ رَجُلًا دَارِهِ مِنْ رَجُلَيْنِ، فَيَقْبِضَانِهَا مَعًا؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَخَلَّفَ عَنْهُ مَقْصُودُهُ لِمَعْنًى اتَّصَلَ بِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَهُ مِنْ الرَّضَاعِ، بَيَانُهُ أَنَّ مَقْصُودَهُ الْحَبْسُ الدَّائِمُ، وَالْمُشَاعُ لَا يُمْكِنُ الْمُرْتَهِنُ حَبْسَهُ، لِأَنَّ شَرِيكَهُ يَنْتَزِعُهُ يَوْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>