مَا عَدَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ لَا يُسَمَّى أُولَ الشَّهْرِ، وَيَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَا يُسَمَّى أَوْسَطُ الشَّهْرِ آخِرَهُ وَلَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ إطْلَاقِ لَفْظِهِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يُصْرَفَ كَلَامُ الْحَالِفِ إلَيْهِ، وَلَا يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَيْهِ.
[فَصْلٌ قَالَ إذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ]
(٥٩١٦) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ: إذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إلَى سَنَةٍ. فَإِنَّ ابْتِدَاءَ السَّنَةِ مِنْ حِينِ حَلَفَ إلَى تَمَامِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] . فَإِنْ حَلَفَ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ، فَإِذَا مَضَى اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا وَقَعَ طَلَاقُهُ. وَإِنْ حَلَفَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ، عَدَدْتَ مَا بَقِيَ مِنْهُ، ثُمَّ حَسَبْتَ بَعْدُ بِالْأَهِلَّةِ، فَإِذَا مَضَتْ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا نَظَرْتَ مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، فَكَمَّلَتْهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ هِلَالَيْنِ. فَإِنْ تَفَرَّقَ كَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. وَفِيهِ وَجْهٌ آخِرُ، أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الشُّهُورُ كُلُّهَا بِالْعَدَدِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي مَنْ نَذَرَ صِيَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَاعْتَرَضَ الْأَيَّامُ. قَالَ: يَصُومُ سِتِّينَ يَوْمًا.
وَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ شَهْرٍ، فَصَامَ شَهْرَيْنِ، فَكَانَا ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا، أَجْزَأَهُ؛ وَذَلِكَ إنَّهُ لَمَّا صَامَ نِصْفَ شَهْرٍ، وَجَبَ تَكْمِيلُهُ مِنْ الَّذِي يَلِيهِ، فَكَانَ ابْتِدَاءُ الثَّانِي مِنْ نِصْفِهِ أَيْضًا، فَوَجَبَ أَنْ يُكَمِّلَهُ بِالْعَدَدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي السَّنَةِ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ أَحَدَ عَشَرَ بِالْأَهِلَّةِ، فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ بِهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يُتِمَّ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّانِي، بَلْ يُتِمُّهُ مِنْ آخِرِ الشُّهُورِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي: سَنَةً. إذَا انْسَلَخَ ذُو الْحِجَّةِ. قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ. وَإِنْ قَالَ: إذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ.
طَلَقَتْ بِانْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَرَّفَهَا فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ، انْصَرَفَتْ إلَى السَّنَةِ الْمَعْرُوفَةِ، الَّتِي آخِرُهَا ذُو الْحِجَّةِ. فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا. قُبِلَ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ اسْمٌ لَهَا حَقِيقَةً.
[فَصْلٌ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ طَلْقَةً]
(٥٩١٧) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، فِي كُلِّ سَنَةٍ طَلْقَةً. فَهَذِهِ صِفَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ إيقَاعَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَإِذَا جَعَلَ ذَلِكَ صِفَةً، جَازَ، وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ عَقِيبَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ أَجَلٍ ثَبَتَ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ، ثَبَتَ عَقِيبَهُ، كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا كَلَّمْتُكِ سَنَةً. فَيَقَعُ فِي الْحَالِ طَلْقَةٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ السَّنَةَ ظَرْفًا لِلطَّلَاقِ، فَتَقَعُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهَا، وَتَقَعُ الثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةُ فِي أَوَّلِ الثَّالِثَةِ، إنْ دَخَلَتَا عَلَيْهَا وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ، لِكَوْنِهَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، أَوْ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّةِ الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَعِدَّةِ الثَّانِيَةِ، أَوْ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بَعْدَ أَنْ بَانَتْ، فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَبَانَتْ مِنْهُ، وَدَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ بَائِنٌ، لَمْ تَطْلُقْ؛ لِكَوْنِهَا غَيْرَ زَوْجَةٍ لَهُ. فَإِنْ تَزَوَّجَهَا فِي أَثْنَائِهَا، اقْتَضَى قَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute