للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: هَاتِهَا. فَأَخَذَهَا، نَظَرْت فِي نِيَّتِهِ؛ فَإِنْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ، فَهِيَ لَهُ دُونَ الْآمِرِ، وَإِنْ أَخَذَهَا لِلْآمِرِ، فَهِيَ لَهُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الِاصْطِيَادِ لَهُ.

[فَصْلٌ تُمْلَكُ اللُّقَطَةُ مِلْكًا مُرَاعَى يَزُولُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا]

(٤٥٠٦) فَصْلٌ: وَتُمْلَكُ اللُّقَطَةُ مِلْكًا مُرَاعًى، يَزُولُ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا، وَيَضْمَنُ لَهُ بَدَلَهَا إنْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ الْعِوَضِ بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا، كَمَا يَتَجَدَّدُ زَوَالُ الْمِلْكِ عَنْهَا بِمَجِيئِهِ، وَكَمَا يَتَجَدَّدُ وُجُوبُ نِصْفِ الصَّدَاقِ لِلزَّوْجِ، أَوْ بَدَلِهِ إنْ تَعَذَّرَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِيهِ بِالطَّلَاقِ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: لَا يَمْلِكُهَا إلَّا بِعِوَضٍ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ لِصَاحِبِهَا

وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِهِ، فَأَشْبَهَ الْقَرْضَ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَهِيَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ» . فَجَعَلَهَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ لَمْ يُعْزَلْ مِنْ تَرِكَتِهِ بَدَلُهَا، وَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الزَّكَاةِ بِسَبَبِ الْغُرْمِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ، وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الدَّيْنِ فِي حَقِّهِ، وَانْتِفَاءُ أَحْكَامِهِ دَلِيلٌ عَلَى انْتِفَائِهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَمْنَعُ ذَلِكَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَهَا بِعِوَضٍ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهَا بِمَجِيءِ صَاحِبِهَا

وَلَوْ وَقَفَ مِلْكُهُ لَهَا عَلَى رِضَاهُ بِالْمُعَاوَضَةِ وَاخْتِيَارِهِ لِأَحَدِهِمَا كَالْقَرْضِ، وَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهَا الْمُطَالَبَةَ بَعْدَ مَجِيئِهِ، بِشَرْطِ تَلَفِهَا، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً لَأَخَذَهَا، وَلَمْ يَسْتَحِقّ لَهَا بَدَلًا. وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكُ الْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِهَا، كَمَا يَتَجَدَّدُ لَهُ الْمِلْكُ فِيهَا لَوْ كَانَتْ مَوْجُودَةً، وَكَمَا يَتَجَدَّدُ لَهُ الْمِلْكُ فِي نِصْفِ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَفِي بَدَلِهِ إنْ كَانَ مَعْدُومًا. وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَسْأَلَتِنَا، وَبِهِ يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ. وَأَمَّا الْقَرْضُ، فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ بَدَلُهُ فِي الذِّمَّةِ، لَمْ يَعُدْ الْمِلْكُ لَهُ فِي الْمُقْرِضِ إلَّا بِرِضَاءِ الْمُقْرِضِ وَاخْتِيَارِهِ.

[فَصْلٌ كُلُّ مَا جَازَ الْتِقَاطُهُ مُلِكَ بِالتَّعْرِيفِ عِنْدَ تَمَامِهِ]

(٤٥٠٧) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَا جَازَ الْتِقَاطُهُ، مُلِكَ بِالتَّعْرِيفِ عِنْدَ تَمَامِهِ، أَثْمَانًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا هَذَا كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّ لَفْظَهُ عَامٌّ فِي كُلِّ لَفْظِهِ. وَقَدْ نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَكَمِ، رَوَى عَنْهُ فِي الصَّيَّادِ يَقَعُ فِي شِصِّهِ الْكِيسُ أَوْ النُّحَاسُ: يُعَرِّفُهُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ كَسَائِرِ مَالِهِ. وَهَذَا نَصٌّ فِي النُّحَاسِ. وَقَالَ الشَّرِيفُ بْنُ أَبِي مُوسَى: هَلْ حُكْمُ الْعُرُوضِ فِي التَّعْرِيفِ، وَجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ، حُكْمُ الْأَثْمَانِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَظْهَرُهُمَا أَنَّهَا كَالْأَثْمَانِ، وَلَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَرْقًا بَيْنَ الْأَثْمَانِ وَالْعُرُوضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>