قَبْلَ الْجَدَادِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيَقْسِمَ ثَمَنَهَا فِي الْفُقَرَاءِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِ يَابِسًا. وَذَكَرَ أَنَّ أَحْمَدَ نَصَّ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْعِنَبِ الَّذِي لَا يَجِيءُ مِنْهُ زَبِيبٌ، كَالْخَمْرِيِّ، وَالرُّطَبِ الَّذِي لَا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ جَيِّد، كالبرنبا والهلياث.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قُلْتُمْ لَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدَّخَرُ، فَهُوَ كَالْخَضْرَاوَاتِ، وَطَلْعِ الْفُحَّالِ. قُلْنَا: لِأَنَّهُ يُدَّخَرُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُدَّخَرْ هَاهُنَا، لِأَنَّ أَخْذَهُ رُطَبًا أَنْفَعُ، فَلَمْ تَسْقُطْ مِنْهُ الزَّكَاةُ بِذَلِكَ، وَلَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ حَتَّى يَبْلُغَ حَدًّا يَكُونُ مِنْهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا، إلَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى. وَإِذَا أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ هَذِهِ الثَّمَرَةَ، فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا غَيْرُ رَبِّ الْمَالِ.
وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ: يَجِبُ فِي ذِمَّتِهِ الْعُشْرُ تَمْرًا، أَوْ زَبِيبًا، كَمَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّمَرَةِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَجُدَّ التَّمْرَ، فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا، يُؤْخَذُ مِنْهُ قِيمَتُهُ. وَالثَّانِي: يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ.
[فَصْلُ كَيْفِيَّةُ الْإِخْرَاجِ لِزَكَاةِ الزُّرُوع]
(١٨٥٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا كَيْفِيَّةُ الْإِخْرَاجِ، فَإِنْ كَانَ الْمَالُ الَّذِي فِيهِ الزَّكَاةُ نَوْعًا وَاحِدًا، أَخَذَ مِنْهُ جَيِّدًا كَانَ أَوْ رَدِيئًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ يَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ، فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّرَكَاءِ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. وَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا، أَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مَا يَخُصُّهُ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ الْوَسَطِ. وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، إذَا شَقَّ عَلَيْهِ إخْرَاجُ زَكَاةِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَالَ غَيْرُهُمَا: يُؤْخَذُ عُشْرُ ذَلِكَ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِهِ. وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ بِمَنْزِلَةِ الشُّرَكَاءِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ، وَلَا مَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْمَاشِيَةِ إذَا كَانَتْ أَنْوَاعًا، فَإِنَّ إخْرَاجَ حِصَّةِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهُ يُفْضِي إلَى تَشْقِيصِ الْوَاجِبِ، وَفِيهِ مَشَقَّةٌ بِخِلَافِ الثِّمَارِ، وَلِهَذَا وَجَبَ فِي الزَّائِدِ بِحِسَابِهِ، وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الرَّدِيءِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: « {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧] قَالَ أَبُو أُمَامَةَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ الْجُعْرُورُ وَلَوْنُ الْحُبَيْقِ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُؤْخَذَ فِي الصَّدَقَةِ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. قَالَ: وَهُمَا ضَرْبَانِ مِنْ التَّمْرِ. أَحَدُهُمَا إنَّمَا يَصِيرُ قِشْرًا عَلَى نَوَى، وَالْآخَرُ إذَا أَثْمَرَ صَارَ حَشَفًا. وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجَيِّدِ عَنْ الرَّدِيءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ» . فَإِنْ تَطَوَّعَ رَبُّ الْمَالِ بِذَلِكَ، جَازَ، وَلَهُ ثَوَابُ الْفَضْلِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي فَضْلِ الْمَاشِيَةِ.
[فَصْلُ زَكَاة الزَّيْتُونُ إنْ كَانَ مِمَّا لَا زَيْتَ لَهُ]
(١٨٥٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا الزَّيْتُونُ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا زَيْتَ لَهُ، فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْهُ عُشْرَهُ حَبًّا، إذَا بَلَغَ النِّصَابَ، لِأَنَّهُ حَالَ كَمَالِهِ وَادِّخَارِهِ يُخْرِجُ مِنْهُ، كَمَا يَخْرُصُ الرُّطَبَ فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ زَيْتٌ أَخْرَجَ مِنْهُ زَيْتًا، إذَا بَلَغَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute