الزِّيَادَةِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ الْجَانِي، كَاضْطِرَابِهِ حَالَ الِاسْتِيفَاءِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقْتَصِّ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِ الْجَانِي. فَإِنْ اخْتَلَفَا هَلْ فَعَلَهُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا؟ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَصِّ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُمْكِنْ الْخَطَأُ فِيهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِقَصْدِهِ، وَإِنْ قَالَ الْمُقْتَصُّ: حَصَلَ هَذَا بِاضْطِرَابِك، أَوْ فِعْلٍ مِنْ جِهَتِك. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ.
فَإِنْ سَرَى الِاسْتِيفَاءُ الَّذِي حَصَلَتْ فِيهِ الزِّيَادَةُ إلَى نَفْسِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ، فَمَاتَ، أَوْ إلَى بَعْض أَعْضَائِهِ، مِثْلُ أَنْ قَطَعَ إصْبَعَهُ، فَسَرَى إلَى جَمِيعِ يَدِهِ، أَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ أَوْ مَسْمُومَةٍ، أَوْ فِي حَالِ حَرٍّ مُفْرِطٍ، أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ، فَسَرَى، فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَى الْمُقْتَصِّ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلَيْنِ؛ جَائِزٍ وَمُحَرَّمٍ، وَمَضْمُونٍ وَغَيْرِ مَضْمُونٍ، فَانْقَسَمَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا فِي حَالِ رِدَّتِهِ وَجُرْحًا بَعْدَ إسْلَامِهِ، فَمَاتَ مِنْهُمَا. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَلْزَمَهُ ضَمَانُ السِّرَايَةِ كُلِّهَا، فِيمَا إذَا اقْتَصَّ بِآلَةِ مَسْمُومَةٍ أَوْ كَالَّةٍ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ كُلَّهُ مُحَرَّمٌ، بِخِلَافِ قَطْعِ الْإِصْبَعَيْنِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا مُبَاحٌ.
[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ إلَّا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ]
(٦٦٥٨) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: وَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ إلَّا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ. وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَفْتَقِرُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَيَحْرُمُ الْحَيْفُ فِيهِ، فَلَا يُؤْمَنُ الْحَيْفُ مَعَ قَصْدِ التَّشَفِّي.
فَإِنْ اسْتَوْفَاهُ مِنْ غَيْرِ حَضْرَةِ السُّلْطَانِ، وَقَعَ الْمَوْقِعَ، وَيُعَزَّرُ؛ لِافْتِيَاتِهِ بِفِعْلِ مَا مُنِعَ فِعْلُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَجُوزَ الِاسْتِيفَاءُ بِغَيْرِ حَضْرَةِ السُّلْطَانِ، إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ؛ لِأَنَّ «رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَجُلٍ يَقُودُهُ بِنِسْعَةٍ، فَقَالَ: إنَّ هَذَا قَتَلَ أَخِي. فَاعْتَرَفَ بِقَتْلِهِ. فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اذْهَبْ، فَاقْتُلْهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. وَلِأَنَّ اشْتِرَاطَ حُضُورِ السُّلْطَانِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحْضِرَ شَاهِدَيْنِ، لِئَلَّا يَجْحَدَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الِاسْتِيفَاءَ. وَإِذَا أَرَادَ الْوَلِيُّ الِاسْتِيفَاءَ، فَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَتَفَقَّدَ الْآلَةَ الَّتِي يَسْتَوْفِي بِهَا، فَإِنْ كَانَتْ كَالَّةً مَنَعَهُ الِاسْتِيفَاءَ بِهَا، لِئَلَّا يُعَذِّبَ الْمَقْتُولَ.
وَقَدْ رَوَى شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلِيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute