إحْدَاهُمَا، لَا يَفْعَلُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فِيهِ بِشَيْءٍ. وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَمْ يُسْتَحَبَّ مَسْحُ وَجْهِهِ فِيهِ، كَسَائِرِ دُعَائِهَا.
الثَّانِيَةُ: يُسْتَحَبُّ؛ لِلْخَبَرِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ. وَرَوَى السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا دَعَا رَفَعَ يَدَيْهِ، وَمَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ» . وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهِ، فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ خَارِجًا عَنْ الصَّلَاةِ، وَفَارَقَ سَائِرَ الدُّعَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِيهِ.
[فَصْلٌ لَا يُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَات سِوَى الْوِتْرِ]
(١٠٨١) فَصْلٌ: وَلَا يُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ، وَلَا غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ، سِوَى الْوِتْرِ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَالشَّافِعِيُّ: يُسَنُّ الْقُنُوتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، فِي جَمِيعِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ أَنَسًا قَالَ: «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، فِي " الْمُسْنَدِ "، وَكَانَ عُمَرُ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَلَنَا، مَا رُوِيَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا، يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، ثُمَّ تَرَكَهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مَسْعُودٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ ذَلِكَ. وَعَنْ «أَبِي مَالِكٍ قَالَ: قُلْت لِأَبِي: يَا أَبَتِ، إنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ هَاهُنَا بِالْكُوفَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ؟ قَالَ: أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: أَوَّلُ مَنْ قَنَتَ فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ عَلِيٌّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُحَارِبًا يَدْعُو عَلَى أَعْدَائِهِ. وَرَوَى سَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ " عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ عُرْوَةَ الْهَمَذَانِيِّ، عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَمَّا قَنَتَ عَلِيٌّ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ، أَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ. فَقَالَ عَلِيٌّ: إنَّمَا اسْتَنْصَرْنَا عَلَى عَدُوِّنَا هَذَا. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، إلَّا إذَا دَعَا لِقَوْمٍ، أَوْ دَعَا عَلَى قَوْمٍ» . رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَحَدِيثُ أَنَسٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ طُولَ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى قُنُوتًا. وَقُنُوتُ عُمَرَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ فِي أَوْقَاتِ النَّوَازِلِ؛ فَإِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَقْنُتُ، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قُنُوتَهُ كَانَ فِي وَقْتِ نَازِلَةٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute