وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: إذَا كَالَهُ الْمُكْتَرِي وَوَضَعَهُ الْمُكْرِي عَلَى ظَهْرِ الْبَهِيمَةِ، لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّ الْمُكْرِيَ مُفَرِّطٌ فِي حَمْلِهِ. وَلَنَا أَنَّ التَّدْلِيسَ مِنْ الْمُكْتَرِي، إذْ أَخْبَرَهُ بِكَيْلِهَا عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ، فَلَزِمَهُ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا بِتَحْمِيلِهَا
فَأَمَّا إنْ كَالَهَا الْمُكْتَرِي، وَرَفَعَهَا الْمُكْرِي عَلَى الدَّابَّةِ. عَالِمًا بِكَيْلِهَا، لَمْ يَضْمَنْ الْمُكْتَرِي دَابَّتَهُ إذَا تَلِفَتْ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَدْلِيسٍ وَلَا تَغْرِيرٍ. وَهَلْ لَهُ أَجْرُ الْقَفِيزِ الزَّائِدِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا أَجْرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُكْتَرِيَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا. وَالثَّانِي لَهُ أَجْرُ الزَّائِدِ، لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى حَمْلِهِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجَارَةِ، فَجَرَى مَجْرَى الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ وَدُخُولِ الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ أَجْرِهِ. وَإِنْ كَالَهُ الْمُكْرِي، وَحَمَلَهُ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ عَالِمًا بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِحَمْلِهِ عَلَيْهَا، فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْقَفِيزِ الزَّائِدِ
وَإِنْ أَمَرَهُ بِحَمْلِهِ عَلَيْهَا، فَفِي وُجُوبِ الْأَجْرِ وَجْهَانِ، كَمَا لَوْ حَمَلَهُ الْمُكْرِي عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَ بِهِ كَانَ ذَلِكَ كَفِعْلِهِ، وَإِنْ كَالَهُ أَحَدُهُمَا وَحَمَلَهُ أَجْنَبِيٌّ بِأَمْرِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ حَمَلَهُ الَّذِي كَالَهُ، وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْآخَرِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ حَمَلَهُ الْآخَرُ، وَإِنْ حَمَلَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِمَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَالَهُ ثُمَّ حَمَلَهُ.
[مَسْأَلَة لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ مُدَّةَ غُزَاته]
(٤٢٥٤) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ مُدَّةَ غَزَاتِهِ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْي. وَقَالَ مَالِكٌ: قَدْ عُرِفَ وَجْهُ ذَلِكَ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ حَقِيقًا. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ إجَارَةٌ، فِي مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ، وَعَمَلٍ مَجْهُولٍ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ اكْتَرَاهَا لِمُدَّةِ سَفَرِهِ فِي تِجَارَتِهِ، وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْغَزَاةِ تَطُولُ وَتَقْصُرُ، وَلَا حَدَّ لَهَا تُعْرَفُ بِهِ، وَالْعَمَلُ فِيهَا يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، وَنِهَايَةُ سَفَرِهِمْ تَقْرُبُ وَتَبْعُدُ، فَلَمْ يَجُزْ التَّقْدِيرُ بِهَا، كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَسْفَارِ الْمَجْهُولَةِ
فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَلَهُ أَجْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، لِفَسَادِ الْعَقْدِ، فَوَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ، كَسَائِرِ الْإِجَارَات الْفَاسِدَةِ.
[مَسْأَلَة اكْتَرَى فَرَسًا مُدَّةَ غَزْوِهِ كُلَّ يَوْم بِدِرْهَمِ]
(٤٢٥٥) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، فَجَائِزٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ اكْتَرَى فَرَسًا مُدَّةَ غَزْوِهِ، كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمِ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ صِحَّتُهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ مَجْهُولَةٌ. وَلَنَا، أَنَّ عَلِيًّا، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَجَرَ نَفْسَهُ كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ، وَكَذَلِكَ الْأَنْصَارِيُّ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute