وَمَالٍ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، هُوَ يَمِينٌ. وَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ هَذَا. وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ لِلظِّهَارِ وَلِتَحْرِيمِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ تَنَاوَلَهُمَا، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ أَوْجَبَ كَفَّارَةً، فَكَذَلِكَ إذَا اجْتَمَعَا. وَلَنَا أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ كَفَارَتَيْنِ، كَمَا لَوْ تَظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتَيْنِ، أَوْ حَرَّمَ مِنْ مَالِهِ شَيْئَيْنِ. وَمَا ذَكَرَهُ يَنْتَقِضُ بِهَذَا. وَفِي قَوْلِ أَحْمَدَ: هُوَ يَمِينٌ. إشَارَةً إلَى التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْوَاحِدَةَ لَا تُوجِبُ أَكْثَرَ مِنْ كَفَّارَةٍ.
وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ. وَغَيْرِهِ مِنْ لَفْظَاتِ الْعُمُومِ الْمَالَ، لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْعَامَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْخَاصِّ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي تَقُولُ: إنَّ الْحَرَامَ بِإِطْلَاقِهِ لَيْسَ بِظِهَارٍ. لَا يَكُونُ هَاهُنَا مُظَاهِرًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظِّهَارَ.
[فَصْل قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَرَامٌ]
(٦١٧١) فَصْلٌ: وَإِنْ ` قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي حَرَامٌ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الظِّهَارِ، لَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهِ، سَوَاءٌ نَوَى الطَّلَاقَ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ. وَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ بِحَمْدِ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالظِّهَارِ، وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: حَرَامٌ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَظَهْرِ أُمِّي. أَوْ: كَأُمِّي. فَكَذَلِكَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي، إذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ: لَا أَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي نَفْيِ الظِّهَارِ. وَوَجْهُ قَوْلِهِمْ، أَنَّ قَوْلَهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ. إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ، وَزِيَادَةُ قَوْلِهِ: كَظَهْرِ أُمِّي. بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْفِي الطَّلَاقَ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي. وَلَنَا، أَنَّهُ أَتَى بِصَرِيحِ الظِّهَارِ، فَلَمْ يَكُنْ طَلَاقًا، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ التَّحْرِيمَ مَعَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ طَلَاقٌ. لَا نُسَلِّمُهُ. وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ لَكِنَّهُ فَسَّرَ لَفْظَهُ هَاهُنَا بِصَرِيحِ الظِّهَارِ بِقَوْلِهِ، فَكَانَ الْعَمَلُ بِصَرِيحِ الْقَوْلِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَلِ بِالنِّيَّةِ.
[فَصْلٌ قَالَ الزَّوْج أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي]
(٦١٧٢) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي. طَلُقَتْ، وَسَقَطَ قَوْلُهُ: كَظَهْرِ أُمِّي. لِأَنَّهُ أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ أَوَّلًا، وَجَعَلَ قَوْلَهُ: كَظَهْرِ أُمِّي صِفَةً لَهُ. فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ: كَظَهْرِ أُمِّي. تَأْكِيدَ الطَّلَاقِ، لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا، كَمَا لَوْ أَطْلَقَ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الظِّهَارَ، وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، فَهُوَ كَالظِّهَارِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا بِالطَّلَاقِ. وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا، كَانَ ظِهَارًا صَحِيحًا. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِلَفْظِ الظِّهَارِ فِي مَنْ هِيَ زَوْجَةٌ. وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ. الظِّهَارَ، لَمْ يَكُنْ ظِهَارًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى الظِّهَارَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي طَالِقٌ. وَقَعَ الظِّهَارُ وَالطَّلَاقُ مَعًا، سَوَاءٌ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، أَوْ رَجْعِيًّا؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ سَبَقَ الطَّلَاقَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute