لَمْ يُجِزْهُ، بَطَلَ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَإِسْحَاقَ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبَيْعِ، فَأَمَّا الشِّرَاءُ، فَعِنْدَهُ يَقَعُ لِلْمُشْتَرِي بِكُلِّ حَالٍ. وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، مَا رَوَى عُرْوَةُ بْنُ الْجَعْدِ الْبَارِقِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ، ثُمَّ بَاعَ إحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالدِّينَارِ وَالشَّاةِ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ.» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَقِفَ عَلَى إجَازَتِهِ، كَالْوَصِيَّةِ.
وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. يَعْنِي مَا لَا تَمْلِكُ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ جَوَابًا لَهُ حِينَ سَأَلَهُ، أَنَّهُ يَبِيعُ الشَّيْءَ، ثُمَّ يَمْضِي فَيَشْتَرِيهِ وَيُسَلِّمُهُ. وَلِاتِّفَاقِنَا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ مَالِهِ الْغَائِبِ، وَلِأَنَّهُ بَاعَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَأَشْبَهَ الطَّيْرَ فِي الْهَوَاءِ، وَالْوَصِيَّةُ يَتَأَخَّرُ فِيهَا الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ لَهَا مُجِيزٌ حَالَ وُقُوعِ الْعَقْدِ، وَيَجُوزُ فِيهَا مِنْ الْغَرَرِ، مَا لَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، فَأَمَّا حَدِيثُ عُرْوَةَ فَنَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّ وَكَالَتَهُ كَانَتْ مُطْلَقَةً؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ سَلَّمَ وَتَسَلَّمَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ بِاتِّفَاقِنَا.
[فَصْلٌ يَبِيعُ عَيْنًا لَا يَمْلِكُهَا لِيَمْضِيَ وَيَشْتَرِيَهَا وَيُسَلِّمُهَا]
(٣٠٨٦) فَصْلٌ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ عَيْنًا لَا يَمْلِكُهَا، لِيَمْضِيَ وَيَشْتَرِيهَا، وَيُسَلِّمُهَا، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ «لِأَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ الرَّجُلَ يَأْتِينِي، فَيَلْتَمِسُ مِنْ الْبَيْعِ مَا عِنْدِي، فَأَمْضِي إلَى السُّوقِ فَأَشْتَرِيهِ، ثُمَّ أَبِيعُهُ مِنْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» .
[فَصْلٌ بَاعَ سِلْعَةً وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ سَاكِتٌ]
(٣٠٨٧) فَصْلٌ: وَلَوْ بَاعَ سِلْعَةً، وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ سَاكِتٌ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ: أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى سُكُوتُهُ إقْرَارٌ؛ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى الرِّضَى، فَأَشْبَهَ سُكُوتَ الْبِكْرِ فِي الْإِذْنِ فِي نِكَاحِهَا. وَلَنَا أَنَّ السُّكُوتَ مُحْتَمِلٌ، فَلَمْ يَكُنْ إذْنًا، كَسُكُوتِ الثَّيِّبِ، وَفَارَقَ سُكُوتَ الْبِكْرِ؛ لِوُجُودِ الْحَيَاءِ الْمَانِعِ مِنْ الْكَلَامِ فِي حَقِّهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَوْجُودٍ هَاهُنَا.
[فَصْلٌ وَكَّلَ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ سِلْعَتِهِ فَبَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السِّلْعَةَ مِنْ رَجُلٍ بِثَمَنٍ مُسَمًّى]
(٣٠٨٨) فَصْلٌ: وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلَيْنِ فِي بَيْعِ سِلْعَتِهِ، فَبَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السِّلْعَةَ مِنْ رَجُلٍ، بِثَمَنٍ مُسَمًّى، فَالْبَيْعُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا، رُوِيَ هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالشَّافِعِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَحُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ أَنَّهُمَا قَالَا: هِيَ لِلَّذِي بَدَأَ بِالْقَبْضِ. وَلَنَا، أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ: «إذَا بَاعَ الْمُجِيزَانِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ.» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute