للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي، لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوَطْءَ. وَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ السُّكْرِ وَإِنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، فَإِنَّهُ يُزِيلُ عَقْلَهَا، وَيَجْعَلُهَا كَالزِّقِّ الْمَنْفُوخِ، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ تَجْنِيَ عَلَيْهِ.

وَإِنْ أَرَادَتْ شُرْبَ مَا لَا يُسْكِرُهَا، فَلَهُ مَنْعُ الْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يَعْتَقِدَانِ تَحْرِيمَهُ، وَإِنْ كَانَتْ ذِمِّيَّةً لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهَا تَعْتَقِدُ إبَاحَتَهُ فِي دِينِهَا. وَلَهُ إجْبَارُهَا عَلَى غَسْلِ فَمِهَا مِنْهُ وَمِنْ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ بِفِيهَا. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَمْلِكَ مَنْعَهَا مِنْهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ، وَهُوَ كَالثُّومِ. وَهَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ تَزَوَّجَ مُسْلِمَةً تَعْتَقِدُ إبَاحَةَ يَسِيرِ النَّبِيذِ، هَلْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ عَلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا الْفَصْلِ كُلِّهِ.

[فَصْلٌ لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوج مِنْ مَنْزِله]

(٥٦٩٥) فَصْلٌ: وَلِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ إلَى مَا لَهَا مِنْهُ بُدٌّ سَوَاءٌ أَرَادَتْ زِيَارَةَ وَالِدَيْهَا، أَوْ عِيَادَتَهُمَا، أَوْ حُضُورَ جِنَازَة أَحَدِهِمَا. قَالَ أَحْمَدُ، فِي امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجٌ وَأُمٌّ مَرِيضَةٌ: طَاعَةُ زَوْجِهَا أَوْجَبَ عَلَيْهَا مِنْ أُمِّهَا، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا. وَقَدْ رَوَى ابْنُ بَطَّةَ، فِي " أَحْكَامِ النِّسَاءِ "، عَنْ أَنَسٍ، «أَنَّ رَجُلًا سَافَرَ وَمَنَعَ زَوْجَتَهُ مِنْ الْخُرُوجِ، فَمَرِضَ أَبُوهَا، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِيَادَةِ أَبِيهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّقِي اللَّهَ، وَلَا تُخَالِفِي زَوْجَك. فَمَاتَ أَبُوهَا، فَاسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حُضُورِ جِنَازَتِهِ، فَقَالَ لَهَا: اتَّقِي اللَّهَ، وَلَا تُخَالِفِي زَوْجَك. فَأَوْحَى اللَّهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي قَدْ غَفَرْت لَهَا بِطَاعَةِ زَوْجِهَا» .

وَلِأَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاجِبَةٌ، وَالْعِيَادَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ وَلَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَكِنْ لَا يَنْبَغِي لِلزَّوْجِ مَنْعُهَا مِنْ عِيَادَةِ وَالِدَيْهَا، وَزِيَارَتِهِمَا؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ قَطِيعَةً لَهُمَا، وَحَمْلًا لِزَوْجَتِهِ عَلَى مُخَالِفَتِهِ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ. وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ ذِمِّيَّةً، فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْكَنِيسَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِطَاعَةٍ، وَلَا نَفْعٍ.

وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً، فَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْمَسَاجِدِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَمْنَعُهُ مِنْ مَنْعِهَا؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» . وَرُوِيَ أَنَّ الزُّبَيْرَ تَزَوَّجَ عَاتِكَةَ بِنْتَ زَيْدِ بْنِ عَمْرو بْنِ نُفَيْلٍ، فَكَانَتْ تَخْرُجُ إلَى الْمَسَاجِدِ، وَكَانَ غَيُورًا، فَيَقُولُ لَهَا: لَوْ صَلَّيْت فِي بَيْتِك. فَتَقُولُ: لَا أَزَالَ أَخْرُجُ أَوْ تَمْنَعُنِي. فَكَرِهَ مَنْعَهَا لِهَذَا الْخَبَرِ. وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ أَوْ الْأَمَةُ النَّصْرَانِيَّةُ يَشْتَرِي لَهَا زُنَّارًا؟ قَالَ: لَا بَلْ تَخْرُجُ هِيَ تَشْتَرِي لِنَفْسِهَا. فَقِيلَ لَهُ: جَارِيَتُهُ تَعْمَلُ الزَّنَانِيرَ؟ قَالَ: لَا.

[فَصْلٌ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَة خِدْمَة زَوْجهَا]

(٥٦٩٦) فَصْلٌ: وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ خِدْمَةُ زَوْجِهَا، مِنْ الْعَجْنِ، وَالْخَبْزِ، وَالطَّبْخِ وَأَشْبَاهِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>