فِي حَافَّةِ النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِهِ، أَوْ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ
وَلَوْ فَاضَ مَاءُ هَذَا النَّهْرِ إلَى مِلْكِ إنْسَانٍ، فَهُوَ مُبَاحٌ، كَالطَّائِرِ يُعَشِّشُ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ. وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ نَحْوٌ مِمَّا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ قَسَّمُوا مَاءَ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُهَايَأَةِ]
(٤٣٥٧) فَصْلٌ: وَإِنْ قَسَّمُوا مَاءَ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ بِالْمُهَايَأَةِ، جَازَ، إذَا تَرَاضَوْا بِهِ، وَكَانَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعْلُومًا، مِثْلُ أَنْ يَجْعَلُوا لِكُلِّ حِصَّةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ. وَإِنْ قَسَّمُوا النَّهَارَ، فَجَعَلُوا لِوَاحِدٍ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الزَّوَالِ، وَلِلْآخَرِ مِنْ الزَّوَالِ إلَى الْغُرُوبِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، جَازَ. وَإِنْ قَسَّمُوهُ سَاعَاتٍ، وَأَمْكَنَ ضَبْطُ ذَلِكَ بِشَيْءِ مَعْلُومٍ، كَطَاسَةِ مَثْقُوبَةٍ تُتْرَكُ فِي الْمَاءِ، وَفِيهَا عَلَامَاتٌ إذَا انْتَهَى الْمَاءُ إلَى عَلَامَةٍ كَانَتْ سَاعَةً، وَإِذَا انْتَهَى إلَى الْأُخْرَى كَانَتْ سَاعَتَيْنِ، أَوْ زُجَاجَةٍ فِيهَا رَمْلٌ، يَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا إلَى أَسْفَلِهَا فِي سَاعَةٍ أَوْ سَاعَتَيْنِ
، ثُمَّ يَقْلِبُهَا فَيَعُودُ الرَّمْلُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ، أَوْ بِمِيزَانِ الشَّمْسِ الَّذِي تُعْرَفُ بِهِ سَاعَاتُ النَّهَارِ، أَوْ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، جَازَ. فَإِذَا حَصَلَ الْمَاءُ لِأَحَدِهِمْ فِي نَوْبَتِهِ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْقِيَ بِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا، أَوْ يُؤْثِرَ بِهِ إنْسَانًا، أَوْ يُقْرِضَهُ إيَّاهُ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَصَرَّفُ فِي حَافَّةِ النَّهْرِ، جَازَ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ النَّوْبَةِ أَنْ يُجْرِيَ مَعَ مَائِهِ مَاءً لَهُ آخَرَ، يَسْقِي بِهِ أَرْضَهُ الَّتِي لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ، أَوْ أَرْضًا لَهُ أُخْرَى.
أَوْ سَأَلَهُ إنْسَانٌ أَنْ يُجْرِيَ مَاءً لَهُ مَعَ مَائِهِ فِي هَذَا النَّهْرِ، لِيُقَاسِمهُ إيَّاهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِالنَّهْرِ، وَلَا بِأَحَدٍ، جَازَ ذَلِكَ، فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا؛ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا: جَازَ أَنْ يُجْرِيَ فِيهَا مَاءً فِي نَهْرٍ مَحْفُورٍ، إذَا كَانَ فِيهَا. وَلِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِنَفْعِ النَّهْرِ فِي نَوْبَتِهِ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِذَلِكَ.
[فَصْلٌ كَوْن مَنْبَعُ الْمَاءِ مَمْلُوكًا]
(٤٣٥٨) فَصْلٌ: الْقِسْمُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ مَنْبَعُ الْمَاءِ مَمْلُوكًا، مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي اسْتِنْبَاطِ عَيْنٍ وَإِجْرَائِهَا، فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إحْيَاءٌ لَهَا، وَيَشْتَرِكُونَ فِيهَا، وَفِي سَاقِيَتِهَا، عَلَى حَسَبِ مَا أَنْفَقُوا عَلَيْهَا، وَعَمِلُوا فِيهَا، كَمَا ذَكَرْنَا، فِي الْقِسْمِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، إلَّا أَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ ثَمَّ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ دَخَلَ مِلْكَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ صَيْدٌ بُسْتَانَه، وَهَاهُنَا يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ أَيْضًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute