لَهُ مَالٌ فِي مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ، قُبِلَ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ مَعَهُ. وَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ فِي مَكَانِهِ، لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ لِلْفَقْرِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، كَمَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ الْمَسْكَنَةَ.
[فَصْلٌ جُمْلَةُ مَنْ يَأْخُذُ مَعَ الْغِنَى مِنْ الزَّكَاة خَمْسَةٌ]
(٥١٢٥) فَصْلٌ: وَجُمْلَةُ مَنْ يَأْخُذُ مَعَ الْغِنَى خَمْسَةٌ؛ الْعَامِلُ، وَالْمُؤَلَّفُ قَلْبُهُ، وَالْغَازِي، وَالْغَارِمُ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَابْنُ السَّبِيلِ الَّذِي لَهُ الْيَسَارُ فِي بَلَدِهِ. وَخَمْسَةٌ لَا يُعْطَوْنَ إلَّا مَعَ الْحَاجَةِ؛ الْفَقِيرُ، وَالْمِسْكِينُ، وَالْمُكَاتَبُ، وَالْغَارِمُ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ فِي مُبَاحٍ، وَابْنُ السَّبِيلِ. وَأَرْبَعَةٌ يَأْخُذُونَ أَخْذًا مُسْتَقِرًّا، لَا يَلْزَمُهُمْ رَدُّ شَيْءٍ بِحَالٍ؛ الْفَقِيرُ، وَالْمِسْكِينُ، وَالْعَامِلُ، وَالْمُؤَلَّفُ. وَأَرْبَعَةٌ يَأْخُذُونَ أَخْذًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ؛ الْمُكَاتَبُ، وَالْغَارِمُ، وَالْغَازِي، وَابْنُ السَّبِيلِ.
[فَصْلٌ سَافَرَ لِمَعْصِيَةِ فَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى بَلَدِهِ لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ مِنْ الزَّكَاة]
(٥١٢٦) فَصْلٌ: وَمَنْ سَافَرَ لِمَعْصِيَةٍ، فَأَرَادَ الرُّجُوعَ إلَى بَلَدِهِ، لَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ، مَا لَمْ يَتُبْ. فَإِنْ تَابَ، اُحْتُمِلَ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، فَأَشْبَهَ رُجُوعَ غَيْرِهِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ رُجُوعُهُ إلَى بَلَدِهِ تَرْكًا لِلْمَعْصِيَةِ، وَإِقْلَاعًا عَنْهَا، كَالْعَاقِّ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَى أَبَوَيْهِ، وَالْفَارِّ مِنْ غَرِيمِهِ أَوْ امْرَأَتِهِ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَيْهِمَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُدْفَعَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الْمَعْصِيَةُ، فَأَشْبَهَ الْغَارِمَ فِي الْمَعْصِيَةِ.
[مَسْأَلَةٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ لِكُلِّ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ فِي مَصَارِف الزَّكَاة]
(٥١٢٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ لِكُلِّ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ، وَإِنْ كَانُوا مَوْجُودِينَ، إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يُجَاوِزَهُمْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا سِيقَتْ لِبَيَانِ مَنْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ، لَا لِإِيجَابِ الصَّرْفِ إلَى الْجَمِيعِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَعْمِيمُ كُلِّ صِنْفٍ بِهَا. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى صَرْفَهَا إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢٧١] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي الْخَبَرِ إلَّا صِنْفًا وَاحِدًا. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَبِيصَةَ حِينَ تَحَمَّلَ حَمَالَةً: «أَقِمْ يَا قَبِيصَةُ، حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا» . فَذَكَرَ دَفْعَهَا إلَى صِنْفٍ، وَهُوَ مِنْ الْغَارِمِينَ. وَأَمَرَ بَنِي زُرَيْقٍ بِدَفْعِ صَدَقَتِهِمْ إلَى سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ. وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَبَعَثَ إلَيْهِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute