[بَابُ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ] [مَسْأَلَةٌ كَيْفِيَّةُ غُسْلِ الْجَنَابَةِ]
ِ (٣٠٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ (وَإِذَا أَجْنَبَ غَسَلَ مَا بِهِ مِنْ أَذًى، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا، يَرْوِي أُصُولَ الشَّعْرِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ) . قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَال جَنَبَ الرَّجُلُ وَأَجْنَبَ وَتَجَنَّبَ وَاجْتَنَبَ، مِنْ الْجَنَابَةِ. وَلِغُسْلِ الْجَنَابَةِ صِفَتَانِ: صِفَةُ إجْزَاءٍ، وَصِفَةُ كَمَالٍ، فَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيِّ هَاهُنَا صِفَةُ الْكَمَالِ. قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْكَامِلُ يَأْتِي فِيهِ بِعَشَرَةِ أَشْيَاءَ النِّيَّةِ، وَالتَّسْمِيَةِ، وَغَسْلِ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَغَسْلِ مَا بِهِ مِنْ أَذًى، وَالْوُضُوءِ، وَيُحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا يَرْوِي بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ، وَيُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ، وَيَبْدَأُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ، وَيَدْلُكُ بَدَنَهُ بِيَدِهِ، وَيَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِ غُسْلِهِ فَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَلِّلَ أُصُولَ شَعْرِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِمَاءٍ قَبْلَ إفَاضَتِهِ عَلَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُخَلِّلُ شَعْرَهُ بِيَدِهِ، حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ: «وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضُوءَ الْجَنَابَةِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ، فَغَسَلَهُمَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ أَوْ الْحَائِطَ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ، فَأَتَيْته بِالْمِنْدِيلِ، فَلَمْ يُرِدْهَا، وَجَعَلَ يَنْفُضُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ كَثِيرٌ مِنْ الْخِصَالِ الْمُسَمَّاةِ، وَأَمَّا الْبِدَايَةُ بِشِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحِبُّ التَّيَمُّنَ فِي طُهُورِهِ، وَفِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوِ الْحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفَّيْهِ، ثُمَّ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ بَعْدَ الْغُسْلِ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ فِي مَوْضِعِهِ؛ فَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَغْسِلَهُمَا بَعْدَ الْوُضُوءِ؛ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ. وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ: الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ. وَفِيهِ أَنَّهُ تَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: غَسْلُ رِجْلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ وَبَعْدَهُ وَقَبْلَهُ سَوَاءٌ. وَلَعَلَّهُ ذَهَبَ إلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحَادِيثِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْغُسْلِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَصْلُ الْغَسْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ غَسَلَ مَرَّةً وَعَمَّ بِالْمَاءِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ]
(٣٠٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ غَسَلَ مَرَّةً، وَعَمَّ بِالْمَاءِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، أَجْزَأَهُ، بَعْدَ أَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ وَيَنْوِيَ بِهِ الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ، وَكَانَ تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ) هَذَا الْمَذْكُورُ صِفَةُ الْإِجْزَاءِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُخْتَارُ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ: " وَكَانَ تَارِكًا لِلِاخْتِيَارِ ". يَعْنِي إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute