وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الصَّيْدَ، فَلَمْ يُبَحْ، كَمَا لَوْ رَمَى هَدَفًا فَأَصَابَ صَيْدًا، وَكَمَا فِي الْجَارِحِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ. وَإِنْ ظَنَّهُ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا، لَمْ يُبَحْ؛ لِذَلِكَ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُبَاحُ قَتْلُهُ.
وَلَنَا، مَا تَقَدَّمَ. فَأَمَّا إنْ ظَنَّهُ صَيْدًا، حَلَّ؛ لِأَنَّهُ ظَنَّ وُجُودَ الصَّيْدِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ رَآهُ. وَإِنْ شَكَّ هَلْ هُوَ صَيْدٌ أَوْ لَا؟ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ، لَمْ يُبَحْ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ تَنْبَنِي عَلَى الْعِلْمِ، وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ. وَإِنْ رَمَى حَجَرًا يَظُنُّهُ صَيْدًا، فَقَتَلَ صَيْدًا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ صَيْدًا عَلَى الْحَقِيقَةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُبَاحَ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَصْدِ تَنْبِي عَلَى الظَّنِّ، وَقَدْ وُجِدَ، فَصَحَّ قَصْدُهُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ صَيْدُهُ.
[مَسْأَلَةٌ رَمَى فَغَابَ عَنْ عَيْنِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا سَهْمُهُ فِيهِ وَلَا أَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ]
(٧٧٢١) مَسْأَلَةٌ قَالَ (وَإِذَا رَمَى، فَغَابَ عَنْ عَيْنِهِ فَوَجَدَهُ مَيِّتًا سَهْمُهُ فِيهِ وَلَا أَثَرَ بِهِ غَيْرُهُ حَلَّ أُكُلُهُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ، فَغَابَ عَنْ عَيْنِهِ، ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا، وَمَعَهُ كَلْبُهُ، حَلَّ. وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ. وَعَنْ أَحْمَدَ، إنْ غَابَ نَهَارًا، فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ غَابَ لَيْلًا، لَمْ يَأْكُلْهُ.
وَعَنْ مَالِكٍ كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ غَابَ مُدَّةً طَوِيلَةً، لَمْ يُبَحْ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً، أُبِيحَ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إنْ غَابَ يَوْمًا؟ قَالَ: يَوْمٌ كَثِيرٌ. وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ: إذَا رَمَيْت فَأَقْعَصْت، فَكُلْ، وَإِنْ رَمَيْت فَوَجَدْت فِيهِ سَهْمَك مِنْ يَوْمِك أَوْ لَيْلَتِك، فَكُلْ، وَإِنْ بَاتَ عَنْك لَيْلَةً، فَلَا تَأْكُلْ؛ فَإِنَّك لَا تَدْرِي مَا حَدَثَ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَرِهَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ أَكْلَ مَا غَابَ. وَعَنْ أَحْمَدَ مِثْلُ ذَلِكَ.
وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: كُلْ مَا أَصْمَيْت، وَمَا أَنْمَيْت فَلَا تَأْكُلْ. قَالَ الْحَكَمُ: الْإِصْمَاءُ: الْإِقْعَاصُ. يَعْنِي أَنَّهُ يَمُوتُ فِي الْحَالِ. وَالْإِنْمَاءُ أَنْ يَغِيبَ عَنْك. يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِي الْحَالِ قَالَ الشَّاعِرُ:
فَهُوَ لَا تَنْمِي رَمْيَتُهُ ... مَالَهُ لَا عُدَّ مِنْ نَفَرِهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُبَاحُ إنْ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ طَلَبَهُ، وَإِنْ تَشَاغَلَ عَنْهُ ثُمَّ وَجَدَهُ، لَمْ يُبَحْ.
وَلَنَا، مَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إذَا رَمَيْت الصَّيْدَ، فَوَجَدْته بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، لَيْسَ بِهِ إلَّا أَثَرُ سَهْمِك، فَكُلْ، وَإِنْ وَجَدْته غَرِيقًا فِي الْمَاءِ، فَلَا تَأْكُلْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفْتِنِي فِي