للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَمِينُهُ، لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَنَقَلَ عَنْهُ مُثَنَّى بْنُ جَامِعٍ، فِي مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، إنْ لَمْ نَرْحَلْ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ: إنْ لَمْ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ، وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا، هِيَ إلَى أَنْ تَمُوتَ، فَإِنْ رَحَلَ لَمْ يَرْجِعْ. وَمَعْنَى هَذَا، أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ قَبْلَ إمْكَانِ الرَّحِيلِ، لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ الرَّحِيلُ، فَلَمْ يَفْعَلْ، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَمُوتَ أَحَدُهُمَا، فَيَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ فِي آخِرِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ رَحَلَ لَمْ يَرْجِعْ. فَمَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ لِيَمِينِهِ سَبَبٌ يَقْتَضِي هِجْرَانَ الدَّارِ عَلَى الدَّوَامِ. وَنَقَلَ مُهَنَّا، فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ وَهَبْت كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ. فَإِذَا هِيَ قَدْ وَهَبَتْ. قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ حَنِثَ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَ: إنْ كُنْت وَهَبْته. وَإِلَّا فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى تَبْتَدِئَ هِبَتَهُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي فِعْلًا مُسْتَقْبِلًا يَحْنَثُ بِهِ، وَمَا فَعَلَتْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ بَعْدَ يَمِينِهِ.

وَنُقِلَ عَنْهُ أَيْضًا، فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ رَأَيْتُك تَدْخُلِينَ الدَّارِ، فَأَنْتِ طَالِقٌ: فَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ، إنْ أَرَادَ أَنْ لَا تَدْخُلَهَا حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ نَوَى إذَا رَآهَا، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَرَاهَا تَدْخُلُ. وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّ مَبْنَى الْيَمِينِ عَلَى النِّيَّات، سِيَّمَا وَالرُّؤْيَةُ تُطْلَقُ عَلَى الْعِلْمِ، كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [الفجر: ٦] . وَنَحْوِهِ. وَمَتَى لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا هُنَاكَ سَبَبٌ يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ مَعَ الدُّخُولِ بِمُجَرَّدِهِ، لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَرَاهَا تَدْخُلُ الدَّارَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي تَنَاوَلَهُ لَفْظُهُ. وَنَقَلَ عَنْهُ الْمَرْوِيُّ، فِي رَجُلٍ أَقْرَضَ رَجُلًا دَرَاهِمَ، فَحَلَفَ أَنْ لَا يَقْبَلَهَا، وَكَانَ الرَّجُلُ مَيِّتًا: تُعْطَى الْوَرَثَةُ. يَعْنِي إذَا مَاتَ الْحَالِفُ يُوَفَّى الْوَرَثَةُ، وَلَا يَبْرَأُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إبْرَاءً، فَلَا يَسْقُطُ الْحَقُّ بِهَا.

[فَصْلٌ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ إنْ كُنْت أَمْلِكُ إلَّا مِائَةً وَكَانَ يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ]

(٥٩٩٦) فَصْلٌ: وَلَوْ قَالَ: امْرَأَتِي طَالِقٌ، إنْ كُنْت أَمْلِكُ إلَّا مِائَةً. وَكَانَ يَمِلْك أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ، أَوْ أَقَلِّ، حَنِثَ. فَإِنْ نَوَى أَنِّي لَا أَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ، لَمْ يَحْنَثْ بِمِلْكِ مَا دُونَهَا. وَإِنْ قَالَ: إنْ كُنْت أَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ، فَامْرَأَتِي طَالِقٌ. وَكَانَ يَمْلِكُ أَقَلَّ مِنْ الْمِائَةِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ.

[فَصْلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا طَالِقُ أَنْتِ طَالِقُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ]

(٥٩٩٧) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: يَا طَالِقُ، أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلُقَتْ وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ: يَا طَالِقُ. وَبَقِيَتْ أُخْرَى مُعَلَّقَةً بِدُخُولِ الدَّارِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا طَالِقُ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ. فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ، رَجَعَ إلَيْهَا، وَإِلَّا وَقَعَتْ وَاحِدَةً بِالنِّدَاءِ، وَبَقِيت الثَّلَاثُ مُعَلَّقَةً عَلَى دُخُولِ الدَّارِ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ، إنْ دَخَلْت الدَّارَ. وَعَادَ الشَّرْطُ إلَى الطَّلَاقِ، دُونَ الْقَذْفِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَرْجِعُ الشَّرْطُ إلَيْهِمَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَلَا يَقَعُ بِهَا فِي الْحَالِ شَيْءٌ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَرْجِعَ الشَّرْطُ إلَى الْخَبَرِ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ التَّصْدِيقُ

<<  <  ج: ص:  >  >>