الضَّرَرِ، فَكَانَ بَائِنًا، كَفُرْقَةِ الْعُنَّةِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً، لَمْ يَنْدَفِعْ الضَّرَرُ؛ لِأَنَّهُ يَرْتَجِعُهَا، فَيَبْقَى الضَّرَرُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقَعُ الطَّلَاقُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَائِنًا. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ؛ أَنَّهُ طَلَاقٌ صَادَفَ مَدْخُولًا بِهَا مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا اسْتِيفَاءِ عَدَدٍ، فَكَانَ رَجْعِيًّا، كَالطَّلَاقِ فِي غَيْرِ الْإِيلَاءِ. وَيُفَارِقُ فُرْقَةَ الْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهَا فَسْخٌ لِعَيْبٍ، وَهَذِهِ طَلْقَةٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أُبِيحَ لَهُ ارْتِجَاعُهَا، لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهَا الضَّرَرُ، وَهَذِهِ يَنْدَفِعُ عَنْهَا الضَّرَرُ؛ فَإِنَّهُ إذَا ارْتَجَعَهَا، ضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةٌ أُخْرَى، وَلِأَنَّ الْعِنِّينَ قَدْ يُئِسَ مِنْ وَطْئِهِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي رَجْعَتِهِ، وَهَذَا غَيْرُ عَاجِزٍ، وَرَجْعَتُهُ دَلِيلٌ عَلَى رَغْبَتِهِ وَإِقْلَاعِهِ عَنْ الْإِضْرَارِ بِهَا، فَافْتَرَقَا. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَة طَلْق الْمُوَلِّي وَامْتَنَعَ عَنْ الطَّلَاقِ وَالْفَيْئَة]
(٦١٥٢) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، فَهِيَ ثَلَاثٌ) وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُولِيَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْفَيْئَةِ وَالطَّلَاقِ مَعًا، وَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ الطَّلَاقِ مَا يَمْلِكُهُ الْمُولِي، وَإِلَيْهِ الْخِيرَةُ فِيهِ، إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَاحِدَةً، وَإِنْ شَاءَ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ ثَلَاثًا، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَيْسَ لَهُ إلَّا وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّ إيفَاءَ الْحَقِّ يَحْصُلُ بِهَا، فَلَمْ يَمْلِكْ زِيَادَةً عَلَيْهَا، كَمَا لَمْ يَمْلِكْ الزِّيَادَةَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ فِي حَقِّ الْمُمْتَنِعِ. وَلَنَا أَنَّ الْحَاكِمَ قَائِمٌ مَقَامَهُ، فَمَلَكَ مِنْ الطَّلَاقِ مَا يَمْلِكُهُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي ذَلِكَ. وَلَيْسَ ذَلِكَ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهَا؛ فَإِنَّ حَقَّهَا الْفُرْقَةُ، غَيْرَ أَنَّهَا تَتَنَوَّعُ، وَقَدْ يَرَى الْحَاكِمُ الْمَصْلَحَةَ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، وَمَنْعِهِ رَجْعَتَهَا؛ لِعِلْمِهِ بِسُوءِ قَصْدِهِ، وَحُصُولِ الْمَصْلَحَةِ بِبُعْدِهِ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إذَا قَالَ: فَرَّقْتُ بَيْنَكُمَا. فَإِنَّمَا هُوَ فَسْخٌ. وَإِذَا قَالَ: طَلَّقْتُ وَاحِدَةً. فَهِيَ وَاحِدَةٌ. وَإِذَا قَالَ: ثَلَاثًا. فَهِيَ ثَلَاثٌ.
[مَسْأَلَة طَلَّقَ وَاحِدَةً وَرَاجَعَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ]
(٦١٥٣) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً، وَرَاجَعَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، كَانَ الْحُكْمُ كَمَا حَكَمْنَا فِي الْأَوَّلِ) وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ الْمُولِي، أَوْ؛ طَلَّقَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا. وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ تَفْرِيقَ الْحَاكِمِ لَيْسَ فِيهِ رَجْعَةٌ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا تَفْرِيقُ السُّلْطَانِ، فَلَيْسَ فِيهِ رَجْعَةٌ فِي الْعِدَّةِ، وَلَا بَعْدَهَا. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، يَكُونُ طَلَاقُ الْحَاكِمِ بَائِنًا، لَيْسَ فِيهِ رَجْعَةٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِي كُلَّ فُرْقَةٍ فَرَّقَهَا الْحَاكِمُ رِوَايَتَانِ، لِعَانًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ؛ إحْدَاهُمَا، تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ. وَاخْتَارَهَا. وَالثَّانِيَةُ، لَهُ الْمُرَاجَعَةُ فِيهَا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. وَهَذَا الصَّحِيحُ.
وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute