كَذَلِكَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْجَمِيعُ، فَإِنْ مَاتَ فَعَلَى الْجَمِيعِ الِاعْتِدَادُ بِأَقْصَى الْأَجَلَيْنِ، مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَالْوَفَاةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ كَانَ ثَابِتًا بِيَقِينٍ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هِيَ الْمُطَلَّقَةَ، وَأَنْ تَكُونَ زَوْجَةً، فَوَجَبَ أَقْصَى الْأَجَلَيْنِ إنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا، لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ، لَكِنَّ ابْتِدَاءَ الْقُرْءِ مِنْ حِينِ طَلَّقَ، وَابْتِدَاءُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ طَلَّقَ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا بَعْدَ ذَلِكَ، فَعَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ تَكْمِيلُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ مِنْ حِينِ طَلَّقَهُنَّ. وَإِنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا وَأُنْسِيَهُنَّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً.
[مَسْأَلَة مَاتَ عَنْهَا وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ]
(٦٣٣٠) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَلَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ، قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ، انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِتَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، إنْ كَانَتْ حُرَّةً، وَلِتَمَامِ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ، إنْ كَانَتْ أَمَةً) أَجْمَعْ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ غَيْرِ ذَاتِ الْحَمْلِ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، مَدْخُولًا بِهَا، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ كَبِيرَةً بَالِغَةً أَوْ صَغِيرَةً لَمْ تَبْلُغْ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إلَّا عَلَى زَوْجٍ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَا حَمَلْتُمْ الْآيَةَ عَلَى الْمَدْخُولِ بِهَا، كَمَا قُلْتُمْ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] . قُلْنَا: إنَّمَا خَصَّصْنَا هَذِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] . وَلَمْ يَرِدْ تَخْصِيصُ عِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَلَا أَمْكَنَ قِيَاسُهَا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ فِي التَّخْصِيصِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ عُمْرٍ، فَإِذَا مَاتَ انْتَهَى، وَالشَّيْءُ إذَا انْتَهَى تَقَرَّرَتْ أَحْكَامُهُ، كَتَقَرُّرِ أَحْكَامِ الصِّيَامِ بِدُخُولِ اللَّيْلِ، وَأَحْكَامِ الْإِجَارَةِ بِانْقِضَائِهَا، وَالْعِدَّةُ مِنْ أَحْكَامِهِ. الثَّانِي أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ الزَّوْجُ تَكْذِيبَهَا وَنَفْيَهُ بِاللِّعَانِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ، فَيَلْحَقَ الْمَيِّتَ نَسَبُهُ، وَمَا لَهُ مَنْ يَنْفِيهِ، فَاحْتَطْنَا بِإِيجَابِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا لِحِفْظِهَا عَنْ التَّصَرُّفِ وَالْمَبِيتِ فِي غَيْرِ مَنْزِلهَا، حِفْظًا لَهَا.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْحَيْضِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ. فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَجَبَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فِيهَا حَيْضَةٌ، وَاتِّبَاعُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute