أَنَّ الْوَالِدَ يَحُوزُ لِوَلَدِهِ إذَا كَانُوا صِغَارًا. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: اتَّفَقَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، أَنَّ الْهِبَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً. وَلِأَنَّهَا هِبَةٌ غَيْرُ مَقْبُوضَةٍ، فَلَمْ تَلْزَمْ، كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ، فَإِنَّ مَالِكًا يَقُولُ: لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ التَّسْلِيمُ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَقْبُوضِ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْعِتْقِ.
لِأَنَّ الْوَقْفَ إخْرَاجُ مِلْكٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَخَالَفَ التَّمْلِيكَاتِ، وَالْوَصِيَّةُ تَلْزَمُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ، وَالْعِتْقُ إسْقَاطُ حَقٍّ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ، وَلِأَنَّ الْوَقْفَ وَالْعِتْقَ لَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ.
(٤٤٣٩) فَصْلٌ: وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ (لَا يَصِحُّ) . يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا يَلْزَمُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْمِلْكِ حُكْمُ الْهِبَةِ، وَالصِّحَّةُ اعْتِبَارُ الشَّيْءِ فِي حَقِّ حُكْمِهِ. وَأَمَّا الصِّحَّةُ بِمَعْنَى انْعِقَادِ اللَّفْظِ بِحَيْثُ إذَا انْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبْضُ اُعْتُبِرَ وَثَبَتَ حُكْمُهُ، فَلَا يَصِحُّ حَمْلُ لَفْظِهِ عَلَى نَفْيِهِ، لِعَدَمِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي سِيَاقِ الْمَسْأَلَةِ: " كَمَا يَصِحُّ فِي الْبَيْعِ "
وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْبَيْعِ أَنَّ بَيْعَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ صَحِيحٌ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنَّمَا يَنْتَفِي الضَّمَانُ وَإِطْلَاقُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ. وَقَوْلُهُ: " مَا يُكَالُ وَمَا يُوزَنُ " ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ مَوْزُونٍ وَمَكِيلٍ، وَخَصَّهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ بِمَا لَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ فِيهِ، كَالْقَفِيزِ مِنْ صُبْرَةٍ، وَالرِّطْلِ مِنْ زُبْدَةٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ، وَرَجَّحْنَا الْعُمُومَ.
[فَصْلٌ الْوَاهِبُ بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ]
(٤٤٤٠) فَصْلٌ: وَالْوَاهِبُ بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْقَبْضِ، إنْ شَاءَ أَقْبَضَهَا وَأَمْضَاهَا، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ فِيهَا وَمَنَعَهَا. وَلَا يَصِحُّ قَبْضُهَا إلَّا بِإِذْنِهِ، فَإِنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ تَتِمَّ الْهِبَةُ، وَلَمْ يَصِحَّ الْقَبْضُ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا قَبَضَهَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ قَامَتْ مَقَامَ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ، لِكَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى رِضَاهُ بِالتَّمْلِيكِ الَّذِي لَا يَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَلَنَا أَنَّهُ قَبَضَ الْهِبَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ، أَوْ كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ قَبْضِهَا، وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَى الْوَاهِبِ.
فَلَا يَصِحُّ التَّسْلِيمُ إلَّا بِإِذْنِهِ، كَمَا لَوْ أَخَذَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِ ثَمَنِهِ. وَلَا يَصِحُّ جَعْلُ الْهِبَةِ إذْنًا فِي الْقَبْضِ، بِدَلِيلِ مَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ. وَلَوْ أَذِنَ الْوَاهِبُ فِي الْقَبْضِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ، أَوْ رَجَعَ فِي الْهِبَةِ، صَحَّ رُجُوعُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِقَبْضٍ وَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْقَبْضِ، لَمْ يَنْفَعْ رُجُوعُهُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمَّتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute