مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» . الثَّانِي: فِي وَقْتِهِ. قَالَ أَحْمَدُ يُعْجِبُنِي تَأْخِيرُ السَّحُورِ؛ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ. قُلْت: كَمْ كَانَ قَدْرُ ذَلِكَ؟ قَالَ: خَمْسِينَ آيَةً. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى الْعِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ، قَالَ: «دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى السَّحُورِ، فَقَالَ: هَلُمَّ إلَى الْغَدَاءِ الْمُبَارَكِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. سَمَّاهُ غَدَاءً لِقُرْبِ وَقْتِهِ مِنْهُ. وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالسَّحُورِ التَّقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ، وَمَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْفَجْرِ كَانَ أَعْوَنَ عَلَى الصَّوْمِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: إذَا شَكَّ فِي الْفَجْرِ يَأْكُلُ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ طُلُوعَهُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ.
قَالَ أَحْمَدُ: يَقُولُ اللَّه تَعَالَى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: ١٨٧] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سَحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ، وَلَا الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيلُ، وَلَكِنْ الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى أَبُو قِلَابَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَتَسَحَّرُ: يَا غُلَامُ، اخْفِ الْبَابَ، لَا يَفْجَأُنَا الصُّبْحُ وَقَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ: إنِّي أَتَسَحَّرُ؛ فَإِذَا شَكَكْت أَمْسَكْت. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُلْ مَا شَكَكْت، حَتَّى لَا تَشُكَّ فَأَمَّا الْجِمَاعُ فَلَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يَتَقَوَّى بِهِ، وَفِيهِ خَطَرُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، وَحُصُولُ الْفِطْرِ بِهِ.
الثَّالِثُ: فِيمَا يَتَسَحَّرُ بِهِ. وَكُلُّ مَا حَصَلَ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ حَصَلَ بِهِ فَضِيلَةُ السَّحُورِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ» . وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «نِعْمَ سَحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ]
(٢١٢٩) الْفَصْلُ الثَّانِي، فِي تَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَفِيهِ أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ؛ أَحَدُهَا، فِي اسْتِحْبَابِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرِ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَعَنْ أَبِي عَطِيَّةَ، قَالَ: «دَخَلْت أَنَا وَمَسْرُوقٌ عَلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ مَسْرُوقٌ: رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدُهُمَا يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ، وَالْآخَرُ يُؤَخِّرُ الْإِفْطَارَ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ؟ قَالَتْ: مَنْ الَّذِي يُعَجِّلُ الْإِفْطَارَ وَيُعَجِّلُ الْمَغْرِبَ؟ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ. قَالَتْ: هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ. رَوَاهُ» مُسْلِمٌ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَحَبُّ عِبَادِي إلَيَّ أَسْرَعُهُمْ فِطْرًا» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ أَنَسٌ: «مَا رَأَيْت
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute