وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي ثُبُوتِ يَدِهِمَا عَلَى الْمُدَّعَى، وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ، فَلَمْ يُقَدَّمْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، كَاَلَّذِي يَصْلُحُ لَهُمَا، أَوْ كَمَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْمُشَاهَدَةُ عِنْدَ مَنْ سَلَّمَ ذَلِكَ. وَلَنَا، أَنْ أَيْدِيَهُمَا جَمِيعًا عَلَى مَتَاعٍ الْبَيْتِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ نَازَعَهُمَا فِيهِ أَجْنَبِيٌّ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمَا، وَقَدْ يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ يَدًا وَتَصَرُّفًا فَيَجِبُ أَنْ يُقَدَّمَ، كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً، أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، أَوْ قَمِيصًا أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ، وَالْآخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ، أَوْ جِدَارًا مُتَّصِلًا بِدَارَيْهِمَا، مَعْقُودًا بِبِنَاءِ أَحَدِهِمَا، أَوْ لَهُ عَلَيْهِ أَزَجٌ.
وَلَنَا، عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَاضِي، أَنَّهُمَا تَنَازَعَا فِيمَا فِي أَيْدِيهِمَا وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، أَشْبَهَ إذَا كَانَ فِي الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ. فَأَمَّا مَا كَانَ يَصْلُحُ لَهُمَا، فَإِنَّهُ فِي أَيْدِيهِمَا، وَلَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، أَشْبَهَ إذَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الْمُشَاهَدَةِ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّافِي، أَنَّ وَارِثَ الْمَيِّتِ قَائِمٌ مَقَامَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ وَكِيلًا. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا يَدٌ حَكِيمَةٌ، بَلْ تَنَازَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ فِي عَيْنٍ غَيْرِ قُمَاشٍ بَيْنَهُمَا، فَلَا يَرْجِعُ أَحَدُهُمَا بِصَلَاحِيَةِ ذَلِكَ لَهُ، بَلْ إنْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَهِيَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، اقْتَرَعَا عَلَيْهَا، فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَهِيَ لَهُ، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ حَكَمْنَا بِهَا لَهُ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا يَدٌ حُكْمِيَّةٌ، فَأَشْبَهَا سَائِرَ الْمُخْتَلِفِينَ.
[فَصْلٌ كَانَ فِي الدُّكَّانِ نَجَّارٌ وَعَطَّارٌ فَاخْتَلَفَا فِيمَا فِيهَا]
(٨٥٥٨) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَ فِي الدُّكَّانِ نَجَّارٌ وَعَطَّارٌ، فَاخْتَلَفَا فِيمَا فِيهَا، حُكِمَ بِآلَةِ كُلِّ صِنَاعَةٍ لِصَاحِبِهَا، فَآلَةُ الْعَطَّارِينَ لِلْعَطَّارِ، وَآلَةُ النَّجَّارِينَ لِلنَّجَّارِ. وَإِنْ لَمْ يَكُونَا فِي دُكَّانٍ وَاحِدٍ، لَكِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ لَمْ يُرَجَّحْ أَحَدُهُمَا بِصَلَاحِيَةِ الْعَيْنِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا لَهُ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الزَّوْجَيْنِ، يَكُونُ ذَلِكَ كَتَنَازُعِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ.
[فَصْلٌ اخْتَلَفَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فِي شَيْءٍ فِي الدَّارِ]
(٨٥٥٩) فَصْلٌ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي فِي شَيْءٍ فِي الدَّارِ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ، كَالْأَثَاثِ، وَالْأَوَانِي، وَالْكُتُبِ فَهُوَ لِلْمُكْتَرِي؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يُكْرِي دَارِهِ فَارِغَةً مِنْ رَحْلِهِ وَقُمَاشِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَتْبَعُ فِي الْبَيْعِ؛ كَالْأَبْوَابِ الْمَنْصُوبَةِ، وَالْخَوَابِي الْمَدْفُونَةِ، وَالرُّفُوفِ الْمُسَمَّرَةِ، وَالسَّلَالِيمِ الْمُسَمَّرَةِ، وَالْمَفَاتِيحِ وَالرَّحَا الْمَنْصُوبَةِ، وَحَجَرِهَا التَّحْتَانِيِّ فَهُوَ لِلْمُكْرِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ، فَأَشْبَهَ الشَّجَرَةَ الْمَغْرُوسَةَ فِيهَا. وَإِنْ كَانَتْ الرُّفُوفُ مَوْضُوعَةً عَلَى أَوْتَادٍ، فَقَالَ أَحْمَدُ: إذَا اخْتَلَفَا فِي الرُّفُوفِ، فَهِيَ لِصَاحِبِ الدَّارِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute