للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ ذِكْرِ الْإِحْرَامِ] [مَسْأَلَة مِنْ سُنَن الْإِحْرَام الِاغْتِسَال]

ِ (٢٢٨٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: (وَمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ، وَقَدْ دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ، فَإِذَا بَلَغَ الْمِيقَاتَ، فَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ) قَوْلُهُ: (وَقَدْ دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ) . يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى، فَإِنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ مَكْرُوهٌ؛ لِكَوْنِهِ إحْرَامًا بِهِ قَبْلَ وَقْتِهِ، فَأَشْبَهَ الْإِحْرَامَ بِهِ قَبْلَ مِيقَاتِهِ، وَلِأَنَّ فِي صِحَّتِهِ اخْتِلَافًا، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ قَبْلَ أَشْهُرِهِ صَحَّ، وَإِذَا بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ إلَى وَقْتِ الْحَجِّ، جَازَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَمَالِكٍ. وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَإِسْحَاقَ.

وَقَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يَجْعَلُهُ عُمْرَةً؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] . تَقْدِيرُهُ وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ، أَوْ أَشْهُرُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ. فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ، وَمَتَى ثَبَتَ أَنَّهُ وَقْتُهُ، لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ إحْرَامِهِ عَلَيْهِ، كَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.

وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: ١٨٩] . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَشْهُرِ مِيقَاتٌ. وَلِأَنَّهُ أَحَدُ نُسُكَيْ الْقِرَانِ، فَجَازَ الْإِحْرَامُ بِهِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ، كَالْعُمْرَةِ، أَوْ أَحَدِ الْمِيقَاتَيْنِ، فَصَحَّ الْإِحْرَامُ قَبْلَهُ كَمِيقَاتِ الْمَكَانِ، وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ بِهِ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَمَنْ أَرَادَ الْإِحْرَامَ، اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَهُ، فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ طَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ لِمَا رَوَى خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ، وَاغْتَسَلَ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ، وَهِيَ نُفَسَاءُ، أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ. وَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ الْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ، وَهِيَ حَائِضٌ. وَلِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَادَةَ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ، فَسُنَّ لَهَا الِاغْتِسَالُ، كَالْجُمُعَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ جَائِزٌ بِغَيْرِ اغْتِسَالٍ، وَأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ. وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: إذَا نَسِيَ الْغُسْلَ، يَغْتَسِلُ إذَا ذَكَرَ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قِيلَ لَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: مَنْ تَرَكَ الْغُسْلَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، فَعَلَيْهِ دَمٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَسْمَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>