فَأَمَّا إنْ نَوَى بِهَذَا تَطْلِيقَهَا فِي الْحَالِ، طَلُقَتْ فِي الْحَالِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَبُولِهَا، كَمَا لَوْ قَالَ: حَبْلُك عَلَى غَارِبِك.
[مَسْأَلَةٌ الْمُمَلَّكَةَ وَالْمُخَيَّرَةَ إذَا قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي]
(٥٨٨١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (فَإِنْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي. فَوَاحِدَةٌ، تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) . وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمُمَلَّكَةَ وَالْمُخَيَّرَةَ إذَا قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي. فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ؛ لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ إيَّاهَا أَمَرَهَا يَقْتَضِي زَوَالَ سُلْطَانِهِ عَنْهَا، وَإِذَا قَبِلَتْ ذَلِكَ بِالِاخْتِيَارِ، وَجَبَ أَنْ يَزُولَ عَنْهَا، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مَعَ بَقَاءِ الرَّجْعَةِ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهَا ثَلَاثٌ.
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا قُبِلَ مِنْهُ، إذَا أَرَادَ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي زَوَالَ سُلْطَانِهِ عَنْهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِثَلَاثٍ. وَفِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا يَزُولُ سُلْطَانُهُ عَنْهَا بِوَاحِدَةٍ، فَاكْتُفِيَ بِهَا. وَلَنَا أَنَّهَا لَمْ تَطْلُقْ بِلَفْظِ الثَّلَاثِ، وَلَا نَوَتْ ذَلِكَ، فَلَمْ تَطْلُقْ ثَلَاثًا، كَمَا لَوْ أَتَى الزَّوْجَ بِالْكِنَايَةِ الْخَفِيَّةِ.
(٥٨٨٢) فَصْلٌ: وَهَذَا إذَا لَمْ تَنْوِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ نَوَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَقَعَ مَا نَوَتْ؛ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ الثَّلَاثَ بِالتَّصْرِيحِ، فَتَمْلِكُهَا بِالْكِنَايَةِ، كَالزَّوْجِ. وَهَكَذَا إنْ أَتَتْ بِشَيْءٍ مِنْ الْكِنَايَاتِ، فَحُكْمُهَا فِيهَا حُكْمُ الزَّوْجِ، إنْ كَانَتْ مِمَّا يَقَعُ بِهَا الثَّلَاثُ مِنْ الزَّوْجِ، وَقَعَ بِهَا الثَّلَاثُ إذَا أَتَتْ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، نَحْوُ قَوْلِهَا: لَا يَدْخُلْ عَلَيَّ. وَنَحْوِهَا، وَقَعَ مَا نَوَتْ. قَالَ أَحْمَدُ: إذَا قَالَ لَهَا: أَمْرُك بِيَدِك. فَقَالَتْ: لَا يَدْخُلْ عَلَيَّ إلَّا بِإِذْنٍ. تَنْوِي فِي ذَلِكَ، إنْ قَالَتْ: وَاحِدَةً، فَوَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَتْ: أَرَدْت أَنْ أَغِيظَهُ. قُبِلَ مِنْهَا. يَعْنِي لَا يَقَعُ شَيْءٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ فَأَتَى بِهَذِهِ الْكِنَايَاتِ، لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى يَنْوِيَ الْوَكِيلُ الطَّلَاقَ. ثُمَّ إنْ طَلَّقَ بِلَفْظٍ صَرِيحٍ ثَلَاثًا، أَوْ بِكِنَايَةٍ ظَاهِرَةٍ. طَلُقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ كَانَ بِكِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ، وَقَعَ مَا نَوَاهُ.
[فَصْلٌ قَالَ إنَّ تَكَلَّمْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَكَلَّمَتْ]
(٥٨٨٣) فَصْلٌ: وَقَوْلُهُ: أَمْرُك بِيَدِك. وَقَوْلُهُ: اخْتَارِي نَفْسَك كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ، كَمَا فِي سَائِرِ الْكِنَايَاتِ، فَإِنْ عَدَمَ لَمْ يَقَعْ بِهِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَإِنَّمَا هُوَ كِنَايَةٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute