وَعَلَيْهِمْ نَصِيبُ الْعَافِي مِنْ الدِّيَةِ. وَقِيلَ فِيهِ: إنَّ حَقَّ الْعَافِي، مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْقَاتِلِ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَبْقَ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِهِ، وَإِنَّمَا الدِّيَةُ وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهِ، فَلَمْ تَنْتَقِلْ إلَى الْقَاتِلِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ غَرِيمَهُ.
[فَصْلٌ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْعَافِي فِي الْقِصَاصُ]
(٦٧٥٢) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْعَافِي، فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ إلَى مَالٍ. وَبِهَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ: تُؤْخَذْ مِنْهُ الدِّيَةُ، وَلَا يُقْتَلُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْحُكْمُ فِيهِ إلَى السُّلْطَانِ. وَلَنَا، قَوْله تَعَالَى: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ١٧٨] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ فِي تَفْسِيرِهَا: أَيْ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ. وَعَنْ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أُعْفِي مَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِهِ الدِّيَةَ» . وَلِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا مُكَافِئًا، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ قَتَلَ.
[فَصْلٌ عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ مُطْلَقًا]
(٦٧٥٣) فَصْلٌ: وَإِذَا عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ مُطْلَقًا، صَحَّ، وَلَمْ تَلْزَمْهُ عُقُوبَةٌ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُضْرَبُ، وَيُحْبَسُ سَنَةً. وَلَنَا، أَنَّهُ، إنَّمَا كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَاحِدٌ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ مُسْتَحِقُّهُ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ آخَرُ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الدِّيَةَ عَنْ الْقَاتِلِ خَطَأً.
[فَصْلٌ تَوْكِيلَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ]
(٦٧٥٤) فَصْلٌ: وَإِذَا وَكَّلَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ، صَحَّ تَوْكِيلُهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -. فَإِنْ وَكَّلَهُ، ثُمَّ غَابَ، وَعَفَا عَنْ الْقِصَاصِ، وَاسْتَوْفَى الْوَكِيلُ، نَظَرْنَا؛ فَإِنْ كَانَ عَفْوُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ اسْتَوْفِي، وَإِنْ كَانَ قَتَلَهُ وَقَدْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِهِ، فَقَدْ قَتَلَهُ ظُلْمًا، فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ابْتِدَاءً. وَإِنْ قَتَلَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ بِعَفْوِ الْمُوَكِّلِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ، فَإِنَّ الْعَفْوَ حَصَلَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُمَكِّنُ الْوَكِيلَ اسْتِدْرَاكَهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانٌ، كَمَا لَوْ عَفَا بَعْدَ مَا رَمَاهُ.
وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ الضَّمَانُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَفْوَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حُصُولِهِ فِي حَالٍ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدْرَاكُ الْفِعْلِ، فَوَقَعَ الْقَتْلُ مُسْتَحَقًّا لَهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانٌ؛ وَلِأَنَّ الْعَفْوَ إحْسَانٌ، فَلَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute