للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا إذَا مَاتَ مِنْ الْجُرْحِ، فَقَدْ مَاتَ مِنْ سِرَايَتِهِ وَأَثَرِهِ، فَنَعْتَبِرُ قَصْدَ الْجُرْحِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ دُونَ قَصْدِ الْأَثَرِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا إنَّمَا كَانَ مَوْتُهُ بِأَمْرِ غَيْرِ السِّرَايَةِ، وَالْفِعْلُ مُمَكِّنٌ لَهُ عَلَيْهِ، فَاعْتُبِرَ قَصْدُهُ لِذَلِكَ الْفِعْلِ، كَمَا لَوْ أَمْسَكَهُ.

[مَسْأَلَةٌ أَمَرَ عَبْده أَنْ يَقْتُل رَجُلًا وَكَانَ الْعَبْد أَعْجَمِيًّا]

(٦٧٧١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَنْ (أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا، وَكَانَ الْعَبْدُ أَعْجَمِيًّا، لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَتْلَ مُحَرَّمٌ قُتِلَ السَّيِّدُ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ خَطَرَ الْقَتْلِ، قُتِلَ الْعَبْدُ، وَأُدِّبَ السَّيِّدُ) إنَّمَا ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ كَوْنَهُ أَعْجَمِيًّا، وَهُوَ الَّذِي لَا يُفْصِحُ، لِيَتَحَقَّقَ مِنْهُ الْجَهْلُ، وَإِنَّمَا يَكُنْ الْجَهْلُ فِي حَقِّ مِنْ نَشَأَ فِي غَيْرِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَهْلِهِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الْقَتْلِ، وَلَا يَعْذِرُ فِي فِعْلِهِ، وَمَتَى كَانَ الْعَبْدُ يَعْلَمُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ، فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ، وَيُؤَدَّبُ سَيِّدُهُ؛ لِأَمْرِهِ بِمَا أَفْضَى إلَى الْقَتْلِ، بِمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْحَبْسِ وَالتَّعْزِيرِ.

وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِخَطَرِهِ، فَالْقِصَاصُ عَلَى سَيِّدِهِ، وَيُؤَدَّبُ الْعَبْدُ. قَالَ أَحْمَدُ يُضْرَبُ وَيُؤَدَّبُ. وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو طَالِبٍ، قَالَ: يُقْتَلُ الْوَلِيُّ وَيُحْبَسُ الْعَبْدُ حَتَّى يَمُوتَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ سَوْطُ الْمَوْلَى وَسَيْفُهُ. كَذَا قَالَ عَلِيٌّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُسْتَوْدَعُ السِّجْنَ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الشَّافِعِيُّ وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّ السَّيِّدَ يُقْتَلُ عَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: يُقْتَلَانِ جَمِيعًا. وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى: لَأَنْ يُقْتَلَ الْآمِرُ، وَلَكِنْ يَدَيْهِ، وَيُعَاقَبُ وَيُحْبَسُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ الْقَتْلَ، وَلَا أَلْجَأَ إلَيْهِ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، كَمَا لَوْ عَلِمَ الْعَبْدُ خَطَرَ الْقَتْلِ.

وَلَنَا، أَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِخَطَرِ الْقَتْلِ، فَهُوَ مُعْتَقِدٌ إبَاحَتَهُ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ تَمْنَعُ الْقِصَاصَ كَمَا لَوْ اعْتَقَدَهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ، فَبَانَ إنْسَانًا، وَلِأَنَّ حِكْمَةَ الْقِصَاصِ الرَّدْعُ وَالزَّجْرُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فِي مُعْتَقِدِ الْإِبَاحَةِ، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ، لِأَنَّهُ آلَةٌ لَهُ، لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ بِهِ، كَمَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً أَوْ كَلْبًا أَوْ أَلْقَاهُ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ فَأَكَلَهُ. وَيُفَارِقُ هَذَا مَا إذَا عَلِمَ خَطَرَ الْقَتْلِ، فَإِنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِإِمْكَانِ إيجَابِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُبَاشِرٌ لَهُ، فَانْقَطَعَ حُكْمُ الْآمِرِ، كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ، وَيَكُونُ عَلَى السَّيِّدِ الْأَدَبُ؛ لِتَعَدِّيهِ بِالتَّسَبُّبِ إلَى الْقَتْلِ.

[فَصْلٌ أَمَرَ صَبِيًّا لَا يُمَيِّز أَوْ مَجْنُونًا أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْلَمُ خَطَر الْقَتْل يَقْتُل]

(٦٧٧٢) فَصْلٌ: وَلَوْ أَمَرَ صَبِيًّا لَا يُمَيِّزُ، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَعْلَمُ خَطَرَ الْقَتْلِ، فَقَتَلَ، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْعَبْدِ، يُقْتَلُ الْآمِرُ دُونَ الْمُبَاشِرِ. وَلَوْ أَمَرَهُ بِزِنًى، أَوْ سَرِقَةٍ، لَمْ يَجِبْ الْحَدُّ عَلَى الْآمِرِ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُبَاشِرِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>