وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يُجْزِئُهُ أَنْ يَجْمَعَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَيُطْعِمَهُمْ.
قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ يُسْأَلُ عَنْ امْرَأَةٍ أَفْطَرَتْ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَدْرَكَهَا رَمَضَانُ آخَرُ، ثُمَّ مَاتَتْ. قَالَ: كَمْ أَفْطَرَتْ؟ قَالَ: ثَلَاثِينَ يَوْمًا. قَالَ: فَاجْمَعْ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا، وَأُطْعِمْهُمْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَأُشْبِعْهُمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِلْمُجَامِعِ: (أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا) . وَهَذَا قَدْ أَطْعَمَهُمْ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: ٤] .
وَقَالَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩] . وَهَذَا قَدْ أَطْعَمَهُمْ. وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ، أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، فَجَمَعَ الْمَسَاكِينَ، وَوَضَعَ جِفَانًا فَأَطْعَمَهُمْ. وَلِأَنَّهُ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فَأَجْزَأْهُ، كَمَا لَوْ مَلَّكَهُ إيَّاهُ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ، إنْ أَطْعَمَهُمْ قَدْرَ الْوَاجِبِ لَهُمْ أَجْزَأْهُ، وَإِنْ أَطْعَمَهُمْ دُونَ ذَلِكَ فَأَشْبَعَهُمْ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَطْعَمَهُمْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُجْزِئَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْعِمْهُمْ مَا وَجَبَ لَهُمْ.
[فَصْلُ يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَان مَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ]
(٢٠٦٧) فَصْلٌ: وَيُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ مَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ، مِنْ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَدَقِيقِهِمَا، وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَفِي الْأَقِطِ وَجْهَانِ، وَفِي الْخُبْزِ رِوَايَتَانِ، وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي السَّوِيقِ فَإِنْ كَانَ قُوتُهُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْحُبُوبِ، كَالدُّخْنِ، وَالذُّرَةِ، وَالْأُرْزِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يُجْزِئُ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ. وَالثَّانِي، يُجْزِئُ. اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩] ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِالْإِطْعَامِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يَرِدْ تَقْيِيدُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ، فَوَجَبَ إبْقَاؤُهُ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَلِأَنَّهُ أَطْعَمَ الْمِسْكِينَ مِنْ طَعَامِهِ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ طَعَامُهُ بُرًّا فَأَطْعَمَهُ مِنْهُ، وَهَذَا أَظْهَرُ.
[فَصْلُ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ]
(٢٠٦٨) فَصْلٌ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ، سَقَطَتْ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَعْرَابِيَّ لَمَّا دَفَعَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّمْرَ، وَأَخْبَرَهُ بِحَاجَتِهِ إلَيْهِ، قَالَ: (أَطْعِمْهُ أَهْلَك) . وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِكَفَّارَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute