للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَرَامِ، وَتَضْيِيعِ الْوَاجِبِ مِنْ تَعْرِيفهَا، وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ فِيهَا، فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى وَأَسْلَمَ، كَوِلَايَةِ مَالِ الْيَتِيمِ وَتَخْلِيلِ الْخَمْرِ وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِالضَّوَالِّ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُهَا مَعَ مَا ذَكَرُوهُ، وَكَذَلِكَ وِلَايَةُ مَالِ الْأَيْتَامِ.

[مَسْأَلَة مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً عَرَّفَهَا سَنَةُ فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ الْفَصْل الْأَوَّل فِي وُجُوبِ تَّعْرِيفِ اللُّقَطَة]

مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَمَنْ وَجَدَ لُقَطَةً، عَرَّفَهَا سَنَةً فِي الْأَسْوَاقِ وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ فِي التَّعْرِيفِ سِتَّةَ فُصُولٍ فِي وُجُوبِهِ، وَقَدْرِهِ وَزَمَانِهِ، وَمَكَانِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ، وَمَنْ يَتَوَلَّاهُ (٤٤٩٤) أَمَّا وُجُوبُهُ، فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُلْتَقِطٍ، سَوَاءٌ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا أَوْ حِفْظَهَا لِصَاحِبِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَرَادَ حِفْظَهَا لِصَاحِبِهَا وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ وَأُبَيُّ بْنَ كَعْبٍ، وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَلِأَنَّ حِفْظَهَا لِصَاحِبِهَا إنَّمَا يُقَيَّدُ بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ

وَطَرِيقُهُ التَّعْرِيفُ، أَمَّا بَقَاؤُهَا فِي يَدِ الْمُلْتَقِطِ مِنْ غَيْرِ وُصُولِهَا إلَى صَاحِبِهَا، فَهُوَ وَهَلَاكُهَا سِيَّانِ، وَلِأَنَّ إمْسَاكَهَا مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ، تَضْيِيعٌ لَهَا عَنْ صَاحِبِهَا، فَلَمْ يَجُزْ، كَرَدِّهَا إلَى مَوْضِعِهَا، أَوْ إلْقَائِهَا فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ التَّعْرِيفُ، لَمَا جَازَ الِالْتِقَاطُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهَا فِي مَكَانِهَا إذًا أَقْرَبُ إلَى وُصُولِهَا إلَى صَاحِبِهَا، إمَّا بِأَنْ يَطْلُبَهَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ضَاعَتْ فِيهِ فَيَجِدَهَا، وَإِمَّا بِأَنْ يَجِدَهَا مَنْ يَعْرِفُهَا، وَأَخْذُهُ لَهَا يُفَوِّتُ الْأَمْرَيْنِ، فَيَحْرُمُ، فَلَمَّا جَازَ الِالْتِقَاطُ وَجَبَ التَّعْرِيفُ، كَيْ لَا يَحْصُلَ هَذَا الضَّرَرُ

وَلِأَنَّ التَّعْرِيفَ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا، فَكَذَلِكَ عَلَى مَنْ أَرَادَ حِفْظَهَا، فَإِنَّ التَّمَلُّكَ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَلَا تَجِبُ الْوَسِيلَةُ إلَيْهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبُ فِي الْمَحَلِّ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، لِصِيَانَتِهَا عَنْ الضَّيَاعِ عَنْ صَاحِبِهَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي قَدْرِ تَعْرِيفِ اللُّقَطَةِ]

(٤٤٩٥) الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي قَدْرِ التَّعْرِيفِ، وَذَلِكَ سَنَةٌ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يُعَرِّفُهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ. وَعَنْهُ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ؛ لِأَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُ بِتَعْرِيفِ مِائَةِ الدِّينَارِ ثَلَاثَةَ أَعْوَامٍ وَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ الْهَاشِمِيُّ مَا دُونَ الْخَمْسِينَ دِرْهَمًا يُعَرِّفُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ.

وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: مَا دُونَ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُعَرِّفُهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي الدِّرْهَمِ: يُعَرِّفُهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ. وَقَالَ إِسْحَاقُ: مَا دُونَ الدِّينَارِ يُعَرِّفُهُ جُمُعَةً أَوْ نَحْوَهَا. وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْجُوزَجَانِيُّ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>