وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالنُّعْمَانِ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ دِيَةٍ كَامِلَةٍ، لِكَوْنِهَا قَدْ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهَا، وَلَا مُقَدَّرَ فِيهَا، فَتَجِبُ الْحُكُومَةُ فِيهَا، كَالْيَدِ الزَّائِدَةِ. وَلَنَا، مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا بِثُلُثِ الدِّيَةِ، وَفِي الْيَدِ الشَّلَّاءِ إذَا قُطِعَتْ ثُلُثُ دِيَتِهَا، وَفِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ إذَا قُلِعَتْ ثُلُثُ دِيَتِهَا.» رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْعَيْنِ وَحْدَهَا مُخْتَصَرًا.
وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ قَتَادَةُ عَنْ خِلَاسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْن يَعْمُرَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخِطَابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ إذَا خَسَفَتْ، وَالْيَدِ الشَّلَّاءِ إذَا قُطِعَتْ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ إذَا كُسِرَتْ، ثُلُثَ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. وَلِأَنَّهَا كَامِلَةُ الصُّورَةِ، فَكَانَ فِيهَا مُقَدَّرٌ كَالصَّحِيحَةِ، وَقَوْلُهُمْ: لَا يُمْكِنُ إيجَابُ مُقَدَّرٍ. مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّا قَدْ ذَكَرْنَا التَّقْدِيرَ وَبَيَّنَّاهُ. (٦٩٦٠) فَصْلٌ: قَالَ الْقَاضِي: قَوْلُ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فِي السِّنِّ السَّوْدَاءِ، ثُلُثُ دِيَتِهَا. مَحْمُولٌ عَلَى سِنٍّ ذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهَا، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعَضَّ بِهَا الْأَشْيَاءَ، أَوْ كَانَتْ تَفَتَّتَتْ، فَأَمَّا إنْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهَا بَاقِيَةً، وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا إلَّا لَوْنُهَا، فَفِيهَا كَمَالُ دِيَتِهَا، سَوَاءٌ قَلَّتْ مَنْفَعَتُهَا، بِأَنْ عَجَزَ عَنْ عَضِّ الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ بِهَا أَوْ لَمْ يَعْجِزْ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةُ الْمَنْفَعَةِ، فَكَمَلَتْ دِيَتُهَا، كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ سَوَّدَهَا إلَّا حُكُومَةٌ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ مَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ كَلَامِهِ؛ لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَقَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلِأَنَّهُ ذَهَبَ جَمَالُهَا بِتَسْوِيدِهَا، فَكَمَلَتْ دِيَتُهَا عَلَى مَنْ سَوَّدَهَا، كَمَا لَوْ سَوَّدَ وَجْهَهُ. وَلَمْ يَجِبْ عَلَى مُتْلِفِهَا أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهَا كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَكَالسِّنِّ إذَا كَانَتْ بَيْضَاءَ فَانْقَلَعَتْ، وَنَبَتَ مَكَانَهَا سَوْدَاءُ، لِمَرَضٍ فِيهَا، فَإِنَّ الْقَاضِيَ وَأَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ، سَلَّمُوا أَنَّهَا لَا تَكْمُلُ دِيَتُهَا.
[فَصْلٌ نَبَتَتْ أَسْنَان صَبِيّ سَوْدَاء ثُمَّ ثُغِرَ ثُمَّ عَادَتْ سَوْدَاء]
(٦٩٦١) فَصْلٌ: فَإِنْ نَبَتَتْ أَسْنَانُ صَبِيٍّ سَوْدَاءَ ثُمَّ ثُغِرَ ثُمَّ عَادَتْ سَوْدَاءَ، فَدِيَتُهَا تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ هَذَا جِنْسٌ خُلِقَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ، فَأَشْبَهَ مَنْ خُلِقَ أَسْوَدَ الْجِسْمِ وَالْوَجْهِ جَمِيعًا. وَإِنْ نَبَتَتْ أَوَّلًا بَيْضَاءَ، ثُمَّ ثُغِرَ، ثُمَّ عَادَتْ سَوْدَاءَ، سُئِلَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ السَّوَادُ لِعِلَّةٍ وَلَا مَرَضٍ، فَفِيهَا أَيْضًا كَمَالُ دِيَتِهَا، وَإِنْ قَالُوا: ذَلِكَ لِمَرَضٍ فِيهَا. فَعَلَى قَالِعِهَا ثُلُثُ دِيَتِهَا، أَوْ حُكُومَةٌ. وَقَدْ سَلَّمَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِيمَا خَالَفُوا فِيهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا كَانَتْ سَوْدَاءَ مِنْ ابْتِدَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute