للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ شَرْطًا لَنُقِلَ عَنْهُمْ نَقْلًا مَشْهُورًا، «وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى بَعِيرٍ لِعُمَرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ. فَقَالَ: هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هُوَ لَك يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْت» . وَلَمْ يُنْقَلْ قَبُولُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عُمَرَ، وَلَا قَبُولُ ابْنِ عُمَرَ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلِمَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَأْمُرَهُ أَنْ يَصْنَعَ بِهِ مَا شَاءَ قَبْلَ أَنْ يَقْبَلَهُ

وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنْهُ، فَإِنْ قَالُوا: صَدَقَةً. قَالَ لِأَصْحَابِهِ: كُلُوا. وَلَمْ يَأْكُلْ، وَإِنْ قَالُوا: هَدِيَّةً. ضَرَبَ بِيَدِهِ، فَأَكَلَ مَعَهُمْ» . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، فِيمَا عَلِمْنَاهُ، فِي أَنَّ تَقْدِيمَ الطَّعَامِ بَيْنَ يَدَيْ الضَّيْفَانِ إذْنٌ فِي الْأَكْلِ، وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ بِقَوْلِهِ. وَلِأَنَّهُ وُجِدَ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّرَاضِي بِنَقْلِ الْمِلْكِ، فَاكْتُفِيَ بِهِ، كَمَا لَوْ وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ

قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنَّمَا يُشْتَرَطُ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَعَدَمِ الْعُرْفِ الْقَائِمِ بَيْنَ الْمُعْطِي وَالْمُعْطَى؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا، فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلٍ دَالٍ عَلَيْهِ، أَمَّا مَعَ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَالدَّلَائِلِ، فَلَا وَجْهَ لِتَوْقِيفِهِ عَلَى اللَّفْظِ، أَلَا تَرَى أَنَّا اكْتَفَيْنَا بِالْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ، وَاكْتَفَيْنَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ، وَهُوَ إجَارَةٌ وَبَيْعُ أَعْيَانٍ، فَإِذَا اكْتَفَيْنَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ مَعَ تَأَكُّدِهَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَأَنَّهَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَلَأَنْ نَكْتَفِيَ بِهِ فِي الْهِبَةِ أَوْلَى.

[فَصْلٌ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ فِيمَا لَا يُنْقَلُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ]

(٤٤٤٥) فَصْلٌ: وَالْقَبْضُ فِيمَا لَا يُنْقَلُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، لَا حَائِلَ دُونَهُ، وَفِيمَا يُنْقَلُ بِالنَّقْلِ، وَفِي الْمَشَاعِ بِتَسْلِيمِ الْكُلِّ إلَيْهِ. فَإِنْ أَبَى الشَّرِيكُ أَنْ يُسَلِّمَ نَصِيبَهُ، قِيلَ لِلْمُتَّهِبِ: وَكِّلْ الشَّرِيكَ فِي قَبْضِهِ لَك وَنَقْلِهِ. فَإِنْ أَبَى، نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا، فَيَنْقُلُهُ، لِيَحْصُلَ الْقَبْضُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي ذَلِكَ وَيَتِمُّ بِهِ عَقْدُ شَرِيكِهِ.

[فَصْلٌ هِبَةُ الْمَشَاعِ]

(٤٤٤٦) فَصْلٌ: وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمَشَاعِ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا أَمْكَنَ قِسْمَتُهُ؛ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: لَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَشَاعِ الَّذِي يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ، وَوُجُوبُ الْقِسْمَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَبْضِ وَتَمَامَهُ. فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، صَحَّتْ هِبَتُهُ؛ لِعَدَمِ ذَلِكَ فِيهِ. وَإِنْ وَهَبَ وَاحِدٌ اثْنَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يَنْقَسِمُ، لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

وَجَازَ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ. وَإِنْ وَهَبَ اثْنَانِ اثْنَيْنِ شَيْئًا مِمَّا يَنْقَسِمُ، لَمْ يَصِحَّ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَّهَبَيْنِ قَدْ وُهِبَ لَهُ جُزْءٌ مَشَاعٌ. وَلَنَا أَنَّ وَفْدَ هَوَازِنَ لَمَّا جَاءُوا يَطْلُبُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَا غَنِمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>