نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ فِي غَيْرِ وِلَايَةِ الْقَاضِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعَدِّي عَلَيْهِ، وَلَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ كَانَ فِي وِلَايَتِهِ، وَلَهُ فِي بَلَدِهِ خَلِيفَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، ثَبَتَ الْحَقُّ عِنْدَهُ، وَكَتَبَ بِهِ إلَى خَلِيفَتِهِ، وَلَمْ يُحْضِرْهُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، حَاضِرَةٌ، نَفَّذَهُ إلَى خَصْمِهِ لِيُخَاصِمَهُ عِنْدَ خَلِيفَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ خَلِيفَةٌ، وَكَانَ فِيهِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، أَذِنَ لَهُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ، قِيلَ لَهُ: حَرِّرْ دَعْوَاك؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا يَدَّعِيهِ لَيْسَ بِحَقٍّ عَنَدَهُ، كَالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ، وَقِيمَةِ الْكَلْبِ، أَوْ خَمْرِ الذِّمِّيِّ، فَلَا يُكَلِّفُهُ الْحُضُورَ لِمَا لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ، مَعَ الْمَشَقَّةِ فِيهِ، بِخِلَافِ الْحَاضِرِ، فَإِنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِي حُضُورِهِ، فَإِذَا تَحَرَّرَتْ، بَعَثَ فَأَحْضَرَ خَصْمَهُ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ قَرُبَتْ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْضُرَ وَيَعُودَ فَيَأْوِيَ إلَى مَوْضِعِهِ، أَحْضَرَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُحْضِرْهُ، وَيُوجَدُ مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: إنْ كَانَتْ الْمَسَافَةُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، أَحْضَرَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَنَا، أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلِ الْخُصُومَةِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِمَشَقَّةٍ، فَعَلَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ، فَإِنَّهُ يُؤَدَّبُ وَيُعَزَّرُ، وَلِأَنَّ إلْحَاقَ الْمَشَقَّةِ بِهِ أَوْلَى مِنْ إلْحَاقِهَا بِمَنْ يَنْفُذُهُ الْحَاكِمُ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمَا.
وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً بَرْزَةً، لَمْ يُشْتَرَطْ فِي سَفَرِهَا هَذَا مَحْرَمٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، وَحَقُّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ.
[فَصْلٌ وَإِنْ اسْتَعْدَى رَجُل عَلَى الْحَاكِمِ الْمَعْزُولِ]
(٨٢٤٥) فَصْلٌ: وَإِنْ اسْتَعْدَى عَلَى الْحَاكِمِ الْمَعْزُولِ، لَمْ يُعْدِهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَا يَدَّعِيهِ، فَيَسْأَلَهُ عَنْهُ، صِيَانَةً لِلْقَاضِي عَنْ الِامْتِهَانِ. فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا مِنْ دَيْنٍ أَوْ غَصْبٍ، أَعْدَاهُ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا كَغَيْرِ الْقَاضِي. وَكَذَلِكَ إنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ رِشْوَةً عَلَى الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الرِّشْوَةِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ، فَهِيَ كَالْغَصْبِ.
وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ الْجَوْزَ فِي الْحُكْمِ، وَكَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ، أَحْضَرَهُ، وَحَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بَيِّنَةٌ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يُحْضِرُهُ؛ لِأَنَّ فِي إحْضَارِهِ وَسُؤَالِهِ امْتِهَانًا لَهُ؛ وَأَعْدَاءُ الْقَاضِي كَثِيرٌ، وَإِذَا فَعَلَ هَذَا مَعَهُ، لَمْ يُؤْمَنْ أَلَّا يَدْخُلَ فِي الْقَضَاءِ أَحَدٌ، خَوْفًا مِنْ عَاقِبَتِهِ.
وَالثَّانِي، يُحْضِرُهُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَعْتَرِفَ، فَإِنْ حَضَرَ وَاعْتَرَفَ، حَكَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي مَقْبُولٌ بَعْدَ الْعَزْلِ، كَمَا يُقْبَلُ فِي وِلَايَتِهِ. وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَ ابْنَهُ ظُلْمًا، فَهَلْ يَسْتَحْضِرُهُ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، فَإِنْ أَحْضَرَهُ، فَاعْتَرَفَ، حَكَمَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ. وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخْرَجَ عَيْنًا مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْحَاكِمِ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ لِلْمَحْكُومِ لَهُ بِهَا، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[فَصْلٌ ادَّعَى عَلَى شَاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَيْهِ زُورًا]
(٨٢٤٦) فَصْلٌ: وَإِنْ ادَّعَى عَلَى شَاهِدَيْنِ أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَيْهِ زُورًا، أَحْضَرَهُمَا، فَإِنْ اعْتَرَفَا، أَغْرَمَهُمَا، وَإِنْ أَنْكَرَا، وَلِلْمُدَّعِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute