وَهِيَ نُفَسَاءُ: (اغْتَسِلِي) فَكَيْفَ الطَّاهِرُ؟ فَأَظْهَرَ التَّعَجُّبَ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَغْتَسِلُ أَحْيَانًا، وَيَتَوَضَّأُ أَحْيَانًا. وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ أَجْزَأَهُ، وَلَا يَجِبُ الِاغْتِسَالُ، وَلَا نُقِلَ الْأَمْرُ بِهِ إلَّا لِحَائِضٍ أَوْ نُفَسَاءَ، وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَ بِهِ غَيْرَهُمَا، وَلِأَنَّهُ لِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَأَشْبَهَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ.
(٢٢٨٤) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً، لَمْ يُسَنَّ لَهُ التَّيَمُّمُ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَتَيَمَّمُ؛ لِأَنَّهُ غُسْلٌ مَشْرُوعٌ، فَنَابَ عَنْهُ التَّيَمُّمُ، كَالْوَاجِبِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ غُسْلٌ مَسْنُونٌ، فَلَمْ يُسْتَحَبَّ التَّيَمُّمُ عِنْدَ عَدَمِهِ، كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مُنْتَقَضٌ بِغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَسْنُونِ، أَنَّ الْوَاجِبَ يُرَادُ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، وَالتَّيَمُّمُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ، وَالْمَسْنُونُ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يُحَصِّلُ هَذَا، بَلْ يَزِيدُ شُعْثًا وَتَغْيِيرًا، وَلِذَلِكَ افْتَرَقَا فِي الطَّهَارَةِ الصُّغْرَى، فَلَمْ يُشْرَعْ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ، وَلَا تَكْرَارُ الْمَسْحِ بِهِ.
[فَصْل يُسْتَحَبّ التَّنَظُّف لِلْإِحْرَامِ]
(٢٢٨٥) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ التَّنَظُّفُ بِإِزَالَةِ الشُّعْثِ، وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ، وَنَتْفِ الْإِبِطِ، وَقَصِّ الشَّارِبِ، وَقَلْمِ الْأَظْفَارِ، وَحَلْقِ الْعَانَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ يُسَنُّ لَهُ الِاغْتِسَالُ وَالطِّيبُ، فَسُنَّ لَهُ هَذَا كَالْجُمُعَةِ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ قَطْعَ الشَّعْرِ وَقَلْمَ الْأَظْفَارِ، فَاسْتُحِبَّ فِعْلُهُ قَبْلَهُ؛ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ، فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ.
[مَسْأَلَة فِي مَلَابِس الْإِحْرَام]
(٢٢٨٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ نَظِيفَيْنِ) يَعْنِي إزَارًا وَرِدَاءً، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ» . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا لَمْ يَجِدْ إزَارًا، فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ، وَإِذَا لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ» . وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ مَمْنُوعٌ مِنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ فِي شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ، يَعْنِي بِذَلِكَ مَا يُخَاطُ عَلَى قَدْرِ الْمَلْبُوسِ عَلَيْهِ، كَالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ.
وَلَوْ لَبِسَ إزَارًا مُوَصَّلًا، أَوْ اتَّشَحَ بِثَوْبٍ مَخِيطٍ، جَازَ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَا نَظِيفَيْنِ؛ إمَّا جَدِيدَيْنِ، وَإِمَّا غَسِيلَيْنِ؛ لِأَنَّنَا أَحْبَبْنَا لَهُ التَّنَظُّفَ فِي بَدَنِهِ، فَكَذَلِكَ فِي ثِيَابِهِ، كَشَاهِدِ الْجُمُعَةِ، وَالْأَوْلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute