للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي، لَا تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا يَكْتُبُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، أَوْ حَكَمَ بِهِ، فَأَمَّا اسْتِئْنَافُ ابْتِدَاءٍ، فَيَكْفِيهِ فِيهِ الْإِشْهَادُ، فَيُطَالِبُهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ.

وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَقِّ، وَيَخَافُ الضَّرَرَ بِدُونِ الْمَحْضَرِ، فَأَشْبَهَ مَا حَكَمَ بِهِ ابْتِدَاءً. وَإِنْ طَالِبَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِدَفْعِ الْكِتَابِ الَّذِي ثَبَتَ بِهِ الْحَقُّ، لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَهُ كِتَابٌ بِدَيْنٍ، فَاسْتَوْفَاهُ، أَوْ عَقَارٌ فَبَاعَهُ، لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ مَا قَبَضَهُ مُسْتَحَقًّا، فَيَعُودَ إلَى مَالِهِ.

[فَصْلٌ الْكِتَابُ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ]

(٨٢٨١) فَصْلٌ: وَيُقْبَلُ الْكِتَابُ مِنْ قَاضِي مِصْرٍ إلَى قَاضِي مِصْرٍ، وَإِلَى قَاضِي قَرْيَةٍ، وَمِنْ قَاضِي قَرْيَةٍ إلَى قَاضِي قَرْيَةٍ، وَقَاضِي مِصْرٍ. وَمِنْ الْقَاضِي إلَى خَلِيفَتِهِ، وَمِنْ خَلِيفَتِهِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كِتَابٌ مِنْ قَاضٍ إلَى قَاضٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَوَيَا.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضٍ مُعَيَّنٍ، وَإِلَى مَنْ وَصَلَهُ كِتَابِيّ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ، مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَيَلْزَمُ مَنْ وَصَلَهُ قَبُولُهُ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ. وَاسْتَحْسَنَهُ أَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ كِتَابُ حَاكِمٍ مِنْ وِلَايَتِهِ، وَصَلَ إلَى حَاكِمٍ، فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْكِتَابُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ.

[فَصْلٌ صِفَةُ كِتَاب الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي]

فَصْلٌ: وَصِفَةُ الْكِتَابِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبَبُ هَذَا الْكِتَابِ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ، أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي فِي مَجْلِسِ حُكْمِي وَقَضَائِي، الَّذِي أَتَوَلَّاهُ بِمَكَانِ كَذَا. وَإِنْ كَانَ نَائِبًا، قَالَ: الَّذِي أَنُوبُ فِيهِ عَنْ الْقَاضِي فُلَانٍ، بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ؛ مُدَّعٍ، وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، جَازَ اسْتِمَاعُ الدَّعْوَى مِنْهُمَا، وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَهُمَا مِنْ الشُّهُودِ الْمُعَدَّلِينَ عِنْدِي، عَرَفْتُهُمَا، وَقَبِلْت شَهَادَتَهُمَا، بِمَا رَأَيْت مَعَهُ قَبُولَهَا مَعْرِفَةَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ، بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ.

فَإِنْ كَانَ فِي إثْبَاتِ أَسْرِ أَسِيرٍ قَالَ: وَإِنَّ الْفِرِنْجَ، خَذَلَهُمْ اللَّهُ، أَسَرُوهُ بِمَكَانِ كَذَا، فِي وَقْتِ كَذَا، وَأَخَذُوهُ إلَى مَكَانِ كَذَا، وَهُوَ مُقِيمٌ تَحْتَ حَوْطَتِهِمْ، أَبَادَهُمْ اللَّهُ، وَإِنَّهُ رَجُلٌ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا، وَلَا يَقْدِرُ عَلَى فِكَاكِ نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلصَّدَقَةِ، عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كِتَابُ الْمَحْضَرِ الْمُشَارُ إلَيْهِ، الْمُتَّصِلُ أَوَّلُهُ بِآخِرِ كِتَابِي هَذَا، الْمُؤَرَّخِ بِكَذَا.

وَإِنْ كَانَ فِي إثْبَاتِ دَيْنٍ كَتَبَ: وَإِنَّهُ اسْتَحَقَّ فِي ذِمَّةِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ - وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهِ، وَيَصِفُهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ الدِّينِ - كَذَا وَكَذَا، دَيْنًا عَلَيْهِ حَالًّا، وَحَقًّا وَاجِبًا لَازِمًا، وَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ وَاسْتِيفَاءَهُ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>