وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا أَنَّ مَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْعَمَلِ يَلْزَمُهُ، وَيَلْزَمُ صَاحِبَهُ، وَيُطَالَبُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا تَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مَعَ اخْتِلَافِ صَنَائِعِهِمَا، لَمْ يُمْكِنْ الْآخَرَ أَنْ يَقُومَ بِهِ، فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ عَمَلُهُ، أَمْ كَيْفَ يُطَالَبُ بِمَا لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: تَصِحُّ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي مَكْسَبٍ مُبَاحٍ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَتْ الصَّنَائِعُ، وَلِأَنَّ الصَّنَائِعَ الْمُتَّفِقَةَ قَدْ يَكُونُ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَحْذَقُ فِيهَا مِنْ الْآخَرِ، فَرُبَّمَا يَتَقَبَّلُ أَحَدُهُمَا مَا لَا يُمْكِنُ الْآخَرَ عَمَلُهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ صِحَّتَهَا، فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّنَاعَتَانِ.
وَقَوْلهمْ: يَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَتَقَبَّلُهُ صَاحِبُهُ. قَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا كَالْوَكِيلَيْنِ؛ بِدَلِيلِ صِحَّتِهِمَا فِي الْمُبَاحِ، وَلَا ضَمَانَ فِيهَا. وَإِنْ قُلْنَا: يَلْزَمُهُ. أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُ ذَلِكَ بِالْأُجْرَةِ، أَوْ بِمَنْ يَتَبَرَّعُ لَهُ بِعَمَلِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا، أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا أَتَقَبَّلُ وَأَنْتَ تَعْمَلُ. صَحَّتْ الشَّرِكَةُ، وَعَمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرَ عَمَلِ صَاحِبِهِ.
[فَصْلٌ قَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا أَتَقَبَّلُ وَأَنْتَ تَعْمَلُ وَالْأُجْرَةُ بَيْنِي وَبَيْنَك]
(٣٦١٧) فَصْلٌ: وَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا أَتَقَبَّلُ، وَأَنْت تَعْمَلُ، وَالْأُجْرَةُ بَيْنِي وَبَيْنَك. صَحَّتْ الشَّرِكَةُ. وَقَالَ زُفَرُ: لَا تَصِحُّ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ الْمُسَمَّى، وَإِنَّمَا لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. وَلَنَا، أَنَّ الضَّمَانَ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ، بِدَلِيلِ شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ، وَتَقَبُّلُ الْعَمَلِ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُتَقَبِّلِ، وَيَسْتَحِقُّ بِهِ الرِّبْحَ، فَصَارَ كَتَقَبُّلِهِ الْمَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَالْعَمَلُ يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعَامِلُ الرِّبْحَ كَعَمَلِ الْمُضَارِبِ، فَيَنْزِلُ بِمَنْزِلَةِ الْمُضَارَبَةِ.
[فَصْلٌ الرِّبْح فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ]
(٣٦١٨) فَصْلٌ وَالرِّبْحُ، فِي شَرِكَةِ الْأَبْدَانِ عَلَى مَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، مِنْ مُسَاوَاةٍ أَوْ تَفَاضُلٍ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ، وَيَجُوزُ تَفَاضُلُهُمَا فِي الْعَمَلِ، فَجَازَ تَفَاضُلُهُمَا فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةُ بِالْأُجْرَةِ، وَلِلْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُهَا إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِلَى أَيِّهِمَا دَفَعَهَا بَرِئَ مِنْهَا. وَإِنْ تَلْفِت فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ، فَهِيَ مِنْ ضَمَانِهِمَا مَعًا؛ لِأَنَّهُمَا كَالْوَكِلَيْنِ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْأَعْمَالِ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِمَا، يُطَالَبُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيَلْزَمُهُ عَمَلُهُ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا عَلَى الضَّمَانِ، وَلَا شَيْءَ فِيهَا تَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الشَّرِكَةُ حَالَ الضَّمَانِ، فَكَأَنَّ الشَّرِكَةَ تَضَمَّنَتْ ضَمَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ مَا يَلْزَمُهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَ أَحَدَهُمَا مَا لَزِمَ الْآخَرَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ. وَمَا يَتْلَفُ بِتَعَدِّي أَحَدِهِمَا أَوْ تَفْرِيطِهِ أَوْ تَحْت يَدِهِ، عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ. وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِمَا فِي يَدِهِ، قُبِلَ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ، فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمَا فِيهَا، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ بِمَا فِي يَدِ شَرِيكِهِ، وَلَا بِدَيْنٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute