وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَا يَتَمَوَّلُ عَادَةً، كَقِشْرَةِ جَوْزَةٍ، أَوْ قِشْرَةِ بَاذِنْجَانَةٍ، لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ اعْتِرَافٌ بِحَقٍّ عَلَيْهِ ثَابِتٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَهَذَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.
وَكَذَلِكَ إنْ فَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ فِي الشَّرْعِ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ، لَمْ يُقْبَلْ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ لَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ، فَكَذَلِكَ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِكَلْبٍ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ، أَوْ جِلْدِ مَيْتَةٍ غَيْرِ مَدْبُوغٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ يَجِبُ رَدُّهُ عَلَيْهِ، وَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِ، فَالْإِيجَابُ يَتَنَاوَلُهُ. وَالثَّانِي، لَا يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَمَّا يَجِبُ ضَمَانُهُ، وَهَذَا لَا يَجِبُ ضَمَانُهُ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ وَنَحْوِهَا، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَتَمَوَّلُ عَادَةً عَلَى انْفِرَادِهِ.
وَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَدِّ قَذْفٍ، قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَئُولُ إلَى مَالٍ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ صَحَّ أَنْ يُقَالَ: هُوَ عَلَيَّ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ، قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَاجِبٌ، وَيَئُولُ إلَى الْمَالِ. وَإِنْ فَسَّرَهُ بِرَدِّ السَّلَامِ، أَوْ تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِفَوَاتِهِ، فَلَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ.
وَهَذَا الْإِقْرَارُ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي الذِّمَّةِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ تَفْسِيرُهُ بِهِ، إذَا أَرَادَ أَنَّ حَقًّا عَلَيَّ رَدُّ سَلَامِهِ إذَا سَلَّمَ، وَتَشْمِيتُهُ إذَا عَطَسَ؛ لِمَا رُوِيَ فِي الْخَبَرِ: «لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ ثَلَاثُونَ حَقًّا: يَرُدُّ سَلَامَهُ، وَيُشَمِّتُ عَطْسَتَهُ، وَيُجِيبُ دَعْوَتَهُ. وَذَكَرَ الْحَدِيثَ» .
وَإِنْ قَالَ: غَصَبْته شَيْئًا. وَفَسَّرَهُ بِمَا لَيْسَ بِمَالٍ، قُبِلَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الْغَصْبِ يَقَعُ عَلَيْهِ. وَإِنْ قَالَ: غَصَبْته نَفْسَهُ. لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْفَصْلُ أَكْثَرُهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ لَا يُقْبَلْ تَفْسِيرُ إقْرَارِهِ بِغَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِنَفْسِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ مَمْلُوكٌ يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ، فَجَازَ أَنْ يُفَسَّرَ بِهِ الشَّيْءُ فِي الْإِقْرَارِ، كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، وَلِأَنَّهُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فِي الْجُمْلَةِ، فَصَحَّ التَّفْسِيرُ كَالْمَكِيلِ، وَلَا عِبْرَةَ بِسَبَبِ ثُبُوتِهِ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ، وَالْإِخْبَارِ عَنْهُ.
[فَصْل الْإِقْرَار بِمَالِ]
(٣٨٦٤) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ بِمَالٍ، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ بِقَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: ١٠٣] . وَقَوْلِهِ: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} [الذاريات: ١٩] .
وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْهُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute