الْمُنْذِرِ عَنْ أَحْمَدَ، كَرَاهَةَ بَيْعِ تُرَابِ الْمَعَادِنِ. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى فِي (الْإِرْشَادِ) : يَجُوزُ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَاللَّيْثِ، قَالُوا: فَإِنْ اخْتَلَطَ، أَوْ أَشْكَلَ فَلْيَبِعْهُ بِعَرْضٍ، وَلَا يَبِعْهُ بِعَيْنٍ وَلَا وَرِقٍ؛ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِمَا لَا رِبَا فِيهِ فَجَازَ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِدِينَارٍ وَدِرْهَمٍ.
[مَسْأَلَةٌ بَيْعِ الْعَرَايَا]
(٢٨٦٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ (وَالْعَرَايَا الَّتِي أَرْخَصَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ هُوَ أَنْ يُوهَبَ لِلْإِنْسَانِ مِنْ النَّخْلِ مَا لَيْسَ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ، فَيَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ لِمَنْ يَأْكُلُهَا رُطَبًا) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُصُولٌ خَمْسَةٌ: (٢٨٦٦) فَصْلٌ أَوَّلُهَا، فِي إبَاحَةِ بَيْعِ الْعَرَايَا فِي الْجُمْلَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَهْلُ الشَّامِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ بَيْعُهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ، بَيْعُ الثَّمَرِ بِالثَّمَرِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهُ يَبِيعُ الرُّطَبَ بِالتَّمْرِ مِنْ غَيْرِ كَيْلٍ فِي أَحَدِهِمَا، فَلَمْ يَحُزْ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، أَوْ فِيمَا زَادَ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَسَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، وَغَيْرُهُمَا. وَخَرَّجَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي كُتُبِهِمْ. وَحَدِيثُهُمْ فِي سِيَاقِهِ: (إلَّا الْعَرَايَا كَذَلِكَ فِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ زِيَادَةٌ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهَا. وَلَوْ قُدِّرَ تَعَارُضُ الْحَدِيثَيْنِ، وَجَبَ تَقْدِيمُ حَدِيثِنَا لِخُصُوصِهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَعَمَلًا بِكِلَا النَّصَّيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: الَّذِي نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ هُوَ الَّذِي أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا، وَطَاعَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى. وَالْقِيَاسُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ النَّصِّ مَعَ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ، أَنَّهُ أَرْخَصَ فِي الْعَرَايَا. وَالرُّخْصَةُ اسْتِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ، مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ الْحَاظِرِ، فَلَوْ مَنَعَ وُجُودُ السَّبَبِ مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ، لَمْ يَبْقَ لَنَا رُخْصَةٌ بِحَالٍ. (٢٨٦٧)
الْفَصْلُ الثَّانِي، أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي زِيَادَةٍ عَلَى خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَتَجُوزُ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِهَا. فَأَمَّا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ إمَامِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ -. وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: يَجُوزُ. وَرَوَاهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ زَيْدٍ وَسَهْلٍ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ، مُطْلَقًا، ثُمَّ اسْتَثْنَى مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَشَكَّ فِي الْخَمْسَةِ فَاسْتَثْنَى الْيَقِينَ، وَبَقِيَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ عَلَى مُقْتَضَى الْإِبَاحَةِ.
وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ.» وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، ثُمَّ أَرْخَصَ فِي الْعَرِيَّةِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ، وَشَكَّ فِي الْخَمْسَةِ، فَيَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ فِي التَّحْرِيمِ. وَلِأَنَّ الْعَرِيَّةَ رُخْصَةٌ بُنِيَتْ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ يَقِينًا فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ، وَالْخَمْسَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا، فَلَا تَثْبُتُ إبَاحَتُهَا مَعَ