عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ أَبْرَأَ الْمُكَاتَبَ مِنْ الدَّيْنِ عَتَقَ، وَكَانَ الْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ، لَا لِلْوَارِثِ، فَإِنْ عَجَزَ وَعَادَ رَقِيقًا، انْفَسَخَ النِّكَاحُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسهَا مِنْهُ.
وَلَنَا، أَنَّ الْمُكَاتَبَ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهِ، لَا يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى وَرَثَتِهِ، كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، وَلِأَنَّهَا لَا يَجُوزُ لَهَا ابْتِدَاءُ نِكَاحِهِ لِأَجْلِ الْمِلْكِ، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِتَجَدُّدِ ذَلِكَ فِيهِ، كَالْعَبْدِ الْقِنِّ، وَأَمَّا كَوْنُ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ، فَلِأَنَّ السَّبَبَ وُجِدَ مِنْهُ، فَنُسِبَ الْعِتْقُ إلَيْهِ، وَثَبَتَ الْوَلَاءُ لَهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَرِثَهُ كُلَّهُ، أَوْ تَرِثَ نَصِيبَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا إذَا مَلَكَتْ مِنْهُ جُزْءًا، انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِيهِ فَبَطَلَ فِي بَاقِيه؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ. وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَتْ زَوْجَهَا، أَوْ جُزْءًا مِنْهُ، أَوْ وَرِثَتْ شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ الْقِنِّ، بَطَلَ نِكَاحُهَا. وَإِنْ كَانَتْ لَا تَرِثُ أَبَاهَا، لِمَانِعٍ مِنْ مَوَانِعِ الْمِيرَاثِ، فَنِكَاحُهَا بَاقٍ بِحَالِهِ. وَالْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْوَرَثَةِ مِنْ النِّسَاءِ، كَالْحُكْمِ فِي الْبِنْتِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ مُكَاتَبَةً، فَوَرِثَهَا، أَوْ وَرِثَ شَيْئًا مِنْهَا، انْفَسَخَ نِكَاحُهُ لِذَلِكَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ كَانَ الْعَبْد لِثَلَاثَةِ فَجَاءَهُمْ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَ بِيعُونِي نَفْسِي بِهَا فَأَجَابُوهُ]
(٨٨١٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْعَبْد لِثَلَاثَةِ، فَجَاءَهُمْ بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: بِيعُونِي نَفْسِي بِهَا. فَأَجَابُوهُ، فَلَمَّا عَادَ إلَيْهِمْ لِيَكْتُبُوا لَهُ كِتَابًا، أَنْكَرَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ شَيْئًا، وَشَهِدَ الرَّجُلَانِ عَلَيْهِ بِالْأَخْذِ، فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا بِشَهَادَةِ الشَّرِيكَيْنِ، إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ، وَيُشَارِكُهُمَا فِيمَا أَخَذَا مِنْ الْمَالِ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ اعْتَرَضَ عَلَى الْخِرَقِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، حَيْثُ أَجَازَ لَهُ شِرَاءَ نَفْسِهِ بِعَيْنِ مَا فِي يَدِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي بَابِ الْعِتْقِ: إذَا قَالَ الْعَبْدُ لَرَجُلٍ: اشْتَرِنِي مِنْ سَيِّدِي بِهَذَا الْمَالِ، وَأَعْتِقْنِي فَاشْتَرَاهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، كَانَ الشِّرَاءُ وَالْعِتْقُ بَاطِلَيْنِ وَيَكُونُ السَّيِّدُ قَدْ أَخَذَ مَالَهُ. وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ بِوُجُوهِ؛ مِنْهَا، أَنْ يَكُونَ مُكَاتَبًا، وَقَوْلُهُ: بِيعُونِي مِنْ نَفْسِي بِهَذِهِ. أَيْ أُعَجِّلُ لَكُمْ الثَّلَاثَمِائَةِ، وَتَضَعُونَ عَنِّي مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِي. وَلِهَذَا ذَكَرَهُمَا فِي بَابِ الْمُكَاتَبِ.
الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فِي يَدِ الْعَبْدِ لِأَجْنَبِيٍّ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ نَفْسَك بِهَا. مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهَا. الثَّالِثُ، أَنْ يَكُونَ عِتْقًا بِصِفَةٍ، تَقْدِيرُهُ: إذَا قَبَضْنَا مِنْك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ، فَأَنْتَ حُرٌّ. الرَّابِعُ، أَنْ يَكُونَ رَضِيَ سَادَتُهُ بِبَيْعِهِ نَفْسَهُ بِمَا فِي يَدِهِ، وَفِعْلُهُمْ ذَلِكَ مَعَهُ إعْتَاقٌ مِنْهُمْ لَهُ مَشْرُوطًا بِتَأْدِيَةِ ذَلِكَ إلَيْهِمْ، فَتَكُونَ صُورَتُهُ صُورَةَ الْبَيْعِ وَمَعْنَاهُ الْعِتْقَ بِشَرْطِ الْأَدَاءِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُك نَفْسَك بِخِدْمَتِي سَنَةً. فَإِنَّ مَنَافِعَهُ مَمْلُوكَةٌ لِسَيِّدِهِ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا فِيهَا فَكَانَ هَاهُنَا. وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُهَا، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ، وَمَتَى أَمْكَنَ حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ، لَمْ يَجُزْ تَأْوِيلُهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ. وَإِذَا تَعَذَّرَ هَذَا، فَمَتَى اشْتَرَى الْعَبْدُ نَفْسَهُ مِنْ سَادَتِهِ، عَتَقَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُخْرِجُهُ مِنْ مِلْكِهِمْ، وَلَا يَثْبُتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute