وَلَنَا قَوْلُهُ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ.» مَفْهُومُهُ انْعِقَادُهُ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الْإِظْهَارُ؛ وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ إظْهَارُهُ كَالْبَيْعِ، وَأَخْبَارُ الْإِعْلَانِ يُرَادُ بِهَا الِاسْتِحْبَابُ، بِدَلِيلِ أَمْرِهِ فِيهَا بِالضَّرْبِ بِالدُّفِّ وَالصَّوْتِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ، فَكَذَلِكَ مَا عُطِفَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ أَحْمَدَ لَا. نَهْيُ كَرَاهَةٍ، فَإِنَّهُ قَدْ صَرَّحَ فِيمَا حَكَيْنَا عَنْهُ قَبْلَ هَذَا بِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ إعْلَانَ النِّكَاحِ وَالضَّرْبَ فِيهِ بِالدُّفِّ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ بَعْدَ عَقْدِهِ، وَلَوْ كَانَ شَرْطًا لَاعْتُبِرَ حَالَ الْعَقْدِ، كَسَائِرِ الشُّرُوطِ.
[فَصْلٌ عَقْدُ النِّكَاحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ]
(٥٣٠٣) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ السَّلَفِ اسْتَحَبُّوا ذَلِكَ؛ مِنْهُمْ ضَمْرَةُ بْنُ حَبِيبٍ، وَرَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، وَحَبِيبُ بْنُ عُتْبَةَ؛ وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ شَرِيفٌ، وَيَوْمُ عِيدٍ، فِيهِ خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْمِسَايَةُ أَوْلَى. فَإِنَّ أَبَا حَفْصٍ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَسُّوا بِالْإِمْلَاكِ، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ.» وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِهِ، وَأَقَلُّ لِانْتِظَارِهِ.
[فَصْلٌ يُقَالُ لِلْمُتَزَوِّجِ بَارَكَ اللَّهُ لَك وَبَارَكَ عَلَيْك وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ]
(٥٣٠٤) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِلْمُتَزَوِّجِ: بَارَكَ اللَّهُ لَك، وَبَارَكَ عَلَيْك، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ. وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ . فَقَالَ: إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَك، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَزْنُ النَّوَاةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ مَثَاقِيلَ وَنِصْفٌ مِنْ الذَّهَبِ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: الصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ أَنْ يُقَالَ: عَلَى نَوَاةٍ.
فَحَسْبُ، فَإِنَّ النَّوَاةَ عِنْدَهُمْ اسْمٌ لِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ، كَمَا أَنَّ الْأُوقِيَّةَ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا، وَالنَّشَّ عِشْرُونَ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ مَا يَقُولُ إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ]
(٥٣٠٥) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ، مَا رَوَى صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ، فِي " مَسَائِلِهِ "، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا دَاوُد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدَ، قَالَ: تَزَوَّجَ، فَحَضَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَحُذَيْفَةُ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ، فَقَدَّمُوهُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ، فَصَلَّى بِهِمْ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: إذَا دَخَلْت عَلَى أَهْلِك فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خُذْ بِرَأْسِ أَهْلِك، فَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي أَهْلِي، وَبَارِكْ لِأَهْلِي فِي، وَارْزُقْهُمْ مِنِّي، وَارْزُقْنِي مِنْهُمْ. ثُمَّ شَأْنَك وَشَأْنَ أَهْلِك.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute