للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٩٢٢) فَصْلٌ: فَإِنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا؛ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِوَاجِبٍ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا.

وَإِنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ بَعْدَ السَّلَامِ، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ جَبْرٌ لِلْعِبَادَةِ خَارِجٌ مِنْهَا، فَلَمْ تَبْطُلْ بِتَرْكِهِ كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَحِلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ قَبْلَهُ، فَنَسِيَهُ، فَصَارَ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الصَّلَاةِ، وَنُقِلَ عَنْهُ التَّوَقُّفُ، فَنَقَلَ عَنْهُ الْأَثْرَمُ فِي مَنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ، فَقَالَ: إنْ كَانَ فِي سَهْوٍ خَفِيفٍ، فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ قُلْت: فَإِنْ كَانَ فِيمَا سَهَا فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فَقَالَ: هَاهْ. وَلَمْ يُجِبْ، فَبَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُعِيدَ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي السَّهْوِ، فَفِي الْعَمْدِ أَوْلَى

[مَسْأَلَة نَسِيَ أَرْبَع سَجَدَات مِنْ أَرْبَع رَكَعَات وَذَكَر وَهُوَ فِي التَّشَهُّد]

(٩٢٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وَذَكَرَ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ، سَجَدَ سَجْدَةً تَصِحُّ لَهُ رَكْعَةٌ، وَيَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى، قَالَ: كَانَ هَذَا يَلْعَبُ، يَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ فَلَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا فِي الَّتِي بَعْدَهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهُ حَتَّى شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الَّتِي بَعْدَهَا، بَطَلَتْ، فَلَمَّا شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ هَاهُنَا قَبْلَ ذِكْرِ سَجْدَةِ الْأُولَى، بَطَلَتْ الْأُولَى، وَلَمَّا شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الثَّالِثَةِ قَبْلَ ذِكْرِ سَجْدَةِ الثَّانِيَةِ، بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ، وَكَذَلِكَ الثَّالِثَةُ، تَبْطُلُ بِالشُّرُوعِ فِي قِرَاءَةِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الرَّابِعَةُ، وَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا إلَّا سَجْدَةً فَيَسْجُدُ الثَّانِيَةَ حِينَ ذَكَرَ وَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ، وَيَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ لِأَنَّ كُلَّ رَكْعَةٍ بَطَلَتْ بِشُرُوعِهِ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ إتْمَامِ الْأُولَى. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، وَيَبْتَدِئُهَا؛ لِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَكُونَ مُتَلَاعِبًا بِصَلَاتِهِ، ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَى إلْغَاءِ عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ بَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَالرَّكْعَةِ الْمُعْتَدِّ بِهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ لَاغِيَةٍ. وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَأَبِي بَكْرٍ الْآجُرِّيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ لَهُ رَكْعَتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ سَهْوًا قَبْلَ إتْمَامِ الْأُولَى، كَانَ عَمَلُهُ فِيهَا لَاغِيًا، فَلَمَّا سَجَدَ فِيهَا، انْضَمَّتْ سَجْدَتُهَا إلَى سَجْدَةِ الْأُولَى، فَكَمَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ، وَهَكَذَا الثَّالِثَةُ وَالرَّابِعَةُ يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا رَكْعَةٌ.

وَحَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ أَشْبَهُ بِمَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي أَصْحَابَ الرَّأْيِ - قَالَ الْأَثْرَمُ: فَقُلْت لَهُ، فَإِنَّهُ إذًا فِعْلٌ لَا يَسْتَقِيمُ، لِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى بِهَذِهِ السَّجْدَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ، لَا عَنْ الْأُولَى. قَالَ: فَكَذَلِكَ أَقُولُ إنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَسْجُدَ لِكُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَتَيْنِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ الْمَحْكِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ هُوَ الصَّحِيحَ، وَأَنْ يَكُونَ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَسَّنَهُ، وَإِنَّمَا اعْتَذَرَ عَنْ الْمَصِيرِ إلَيْهِ، لِكَوْنِهِ إنَّمَا نَوَى بِالسَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ جَعْلَهَا عَنْ الْأُولَى، كَمَا لَوْ سَجَدَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يَحْسِبُ أَنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ، أَوْ سَجَدَ فِي الثَّانِيَةِ يَحْسِبُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>