للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ تَرَكَ جَدَّ مَوْلَاهُ وَعَمَّ مَوْلَاهُ فِي مِيرَاث الْمَوْلَى]

فَصْلٌ: وَإِنْ تَرَكَ جَدَّ مَوْلَاهُ وَعَمِّ مَوْلَاهُ، فَهُوَ لِلْجَدِّ. وَكَذَلِكَ إنْ تَرَكَ جَدَّ أَبِي مَوْلَاهُ وَعَمِّ مَوْلَاهُ، أَوْ جَدَّ جَدِّ مَوْلَاهُ وَعَمِّ مَوْلَاهُ، فَهُوَ لِلْجَدِّ. وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ لِلْعَمِّ وَبَنِيهِ وَإِنْ سَفَلُوا، دُونَ جَدِّ الْأَبِ. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَمَنْ جَعَلَ الْجَدَّ وَالْأَخَ سَوَاءً، فَجَدُّ الْأَبِ وَالْعَمِّ سَوَاءٌ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ ابْنِ الْعَمِّ.

وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَرِثُهُ أَوْلَى النَّاسِ بِالْمُعْتِقِ.» وَالْجَدُّ أَوْلَى بِالْمُعْتِقِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَوْلَى النَّاسِ بِمَالِهِ وَوِلَايَتِهِ، وَيُقَدَّمُ فِي تَزْوِيجِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالْعَجَبُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، نَزَّلَ الْجَدَّ أَبًا فِي وِلَايَةِ الْمَالِ وَوِلَايَةِ الْإِجْبَارِ عَلَى النِّكَاحِ، وَوَافَقَ غَيْرَهُ فِي وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَلَهُ وَعِتْقِهِ عَلَى ابْنِ ابْنِهِ، وَعِتْقِ ابْنِ ابْنِهِ عَلَيْهِ، وَانْتِفَاءِ الْقِصَاصِ عَنْهُ بِقَتْلِ ابْنِ ابْنِهِ، وَالْحَدِّ بِقَذْفِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْأَبِ، ثُمَّ جَعَلَ أَبْعَدَ الْعَصَبَاتِ أَوْلَى مِنْهُ بِالْوَلَاءِ.

[مَسْأَلَةٌ هَلَكَ رَجُلٌ عَنْ ابْنَيْنِ وَمَوْلَى فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَهُ عَنْ ابْنٍ ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى]

(٥٠٣٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا هَلَكَ رَجُلٌ عَنْ ابْنَيْنِ وَمَوْلًى، فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَهُ عَنْ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى، فَالْوَلَاءُ لِابْنِ مُعْتِقِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِلْكِبَرِ. وَلَوْ هَلَكَ الِابْنَانِ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْمَوْلَى، وَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا ابْنًا، وَالْآخَرُ تِسْعَةً، كَانَ الْوَلَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُهُ) هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. وَرَوَى سَعِيدٌ.

ثنا هُشَيْمٌ، ثنا أَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عُمَرَ، وَعَلِيًّا، وَابْنَ مَسْعُودٍ، وَزَيْدًا، كَانُوا يَجْعَلُونَ الْوَلَاءَ لِلْكِبَرِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ قُسَيْطٍ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَدَاوُد.

كُلُّهُمْ قَالُوا: الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ. وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ يَرِثُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقَ مِنْ عَصَبَاتِ سَيِّدِهِ أَقْرَبُهُمْ إلَيْهِ، وَأُولَاهُمْ بِمِيرَاثِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْعَبْدِ. قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ نُظِرَ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الَّذِي أَعْتَقَهُ، فَيُجْعَلُ مِيرَاثُهُ لَهُ، وَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ مَوْلَاهُ، لَمْ يَنْتَقِلْ الْوَلَاءُ إلَى عَصَبَتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ، لَا يَنْتَقِلُ، وَلَا يُورَثُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ، فَهُوَ بَاقٍ لِلْمُعْتِقِ أَبَدًا، لَا يَزُولُ عَنْهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»

وَقَوْلِهِ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . إنَّمَا يَرِثُ عَصَبَةُ السَّيِّدِ مَالَ مَوْلَاهُ بِوَلَاءِ مُعْتِقِهِ، لَا نَفْسِ الْوَلَاءِ. وَيَتَّضِحُ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ بِمَسْأَلَتَيْ الْخِرَقِيِّ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا هَاهُنَا، وَهُمَا: إذَا مَاتَ رَجُلٌ عَنْ ابْنَيْنِ وَمَوْلًى فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَهُ عَنْ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى، وَرِثَهُ ابْنُ مُعْتَقِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>