دُونَ ابْنِ ابْنِ مُعْتِقِهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ مُعْتِقِهِ أَقْرَبُ عَصَبَةِ سَيِّدِهِ. وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ، وَخَلَّفَ ابْنَهُ وَابْنَ ابْنِهِ، لَكَانَ مِيرَاثُهُ لِابْنِهِ، دُونَ ابْنِ ابْنِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ الْمَوْلَى. وَالْمَسْأَلَةُ الْأُخْرَى، إذَا هَلَكَ الِابْنَانِ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ مَوْلَاهُ، وَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا ابْنًا، وَالْآخَرُ تِسْعَةً، ثُمَّ مَاتَ الْمَوْلَى.
كَانَ مِيرَاثُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُهُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَوْ مَاتَ كَانَ مِيرَاثُهُ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ، فَكَذَلِكَ مِيرَاثُ، مَوْلَاهُ، وَلَوْ كَانَ الْوَلَاءُ مَوْرُوثًا لَانْعَكَسَ الْحُكْمُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَكَانَ الْمِيرَاثُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بَيْنَ الِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ؛ لِأَنَّ الِابْنَيْنِ وَرِثَا الْوَلَاءَ عَنْ أَبِيهِمَا، ثُمَّ مَا صَارَ لِلِابْنِ الَّذِي مَاتَ انْتَقَلَ إلَى ابْنِهِ، فَصَارَ مِيرَاثُ الْمَوْلَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَمِّهِ نِصْفَيْنِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ يَصِيرُ لِابْنِ الِابْنِ الْمُنْفَرِدِ نِصْفُ الْوَلَاءِ بِمِيرَاثِهِ ذَلِكَ عَنْ ابْنه وَلِبَنِي الِابْنِ الْآخَرِ النِّصْفُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ. وَشَذَّ شُرَيْحٌ، فَقَالَ: الْوَلَاءُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ، يُورَثُ عَنْ الْمُعْتِقِ، فَمَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ، فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، نَحْوُ هَذَا. وَرُوِيَ عَنْ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَحْمَدَ نَحْوَهُ. وَغَلَّطَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فِي رِوَايَتِهِمَا، فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ رَوَوْا عَنْ أَحْمَدَ مِثْلَ قَوْلِ الْجُمْهُورِ. قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْوَلَاءِ لِلْكِبَرِ، فَقَالَ: كَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: الْوَلَاءُ لِلْكِبَرِ، إلَى هَذَا الْقَوْلِ أَذْهَبُ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنْ يُعْتَقَ الرَّجُلُ عَبْدًا، ثُمَّ يَمُوتَ وَيُخَلِّفَ ابْنَيْنِ، فَيَمُوتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ.
وَيُخَلِّفَ ابْنًا فَوَلَاءُ هَذَا الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ لِابْنِ الْمُعْتِقِ، وَلَيْسَ لِابْنِ الِابْنِ شَيْءٌ مَعَ الِابْنِ وَحُجَّةُ شُرَيْحٍ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمَالِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمَوْلَى أَخٌ فِي الدِّينِ، وَوَلِيُّ نِعْمَةٍ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ أَقْرَبُهُمْ مِنْ الْمُعْتِقِ» . وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وَقَوْلُهُ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» . وَلِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ، فَلَمْ يُورَثْ، كَالْقَرَابَةِ وَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّهُ إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَنْهُمْ خِلَافُهُ فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَدْ غَلَّطَهُ الْعُلَمَاءُ فِيهِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ هَذَا الْقَوْلِ وَحَكَاهُ الشَّعْبِيُّ وَالْأَئِمَّةُ عَنْ عُمَرَ وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُمْ.
وَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ الْوَلَاءِ بِالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَا يُورَثُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْهُ ذَوُو الْفُرُوضِ، وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ، فَيُنْظَرُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى سَيِّدِهِ مِنْ عَصَبَاتِهِ يَوْمَ مَوْتِ الْعَبْدِ وَالْمُعْتِقِ، فَيَكُونُ هُوَ الْوَارِثَ لِلْمَوْلَى دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ مَاتَ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَرِثَهُ وَحْدَهُ، فَإِذَا خَلَّفَ ابْنَ مَوْلَاهُ، وَابْنَ ابْنِ مَوْلَاهُ، فَمَالُهُ لِابْنِ مَوْلَاهُ. وَإِنْ خَلَّفَ ابْنَ ابْنِ مَوْلَاهُ، وَتِسْعَةَ بَنِي ابْنٍ آخَرَ لِمَوْلَاهُ، فَمَالُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ، لِكُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُهُ؛ لِأَنَّهُمْ يَرِثُونَ جَدَّهُمْ كَذَلِكَ وَلَوْ خَلَّفَ السَّيِّدُ ابْنَهُ وَابْنَ ابْنِهِ، فَمَاتَ ابْنُهُ بَعْدَهُ عَنْ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ عَتِيقُهُ، فَمِيرَاثُهُ بَيْنَ ابْنَيْ الِابْنِ نِصْفَيْنِ. وَفِي قَوْلِ شُرَيْحٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute