أَحَدُهُمَا، لَا يَعْتِقُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الرِّبْحَ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ، فَلَمْ يَعْتِقْ لِذَلِكَ. وَالثَّانِي، يَعْتِقُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الرِّبْحِ، إنْ كَانَ مُعَسِّرًا، وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ فَيُعْتَقُ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالِهِ.
وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنَّ عِنْدَهُمْ يُسْتَسْعَى فِي بَقِيَّتِهِ إنْ كَانَ مُعَسِّرًا. وَلَنَا رِوَايَةٌ كَقَوْلِهِمْ. وَإِنْ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ، ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْعَبْدُ بَاقٍ فِي التِّجَارَةِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ الرِّبْحُ ظَاهِرًا وَقْتَ الشِّرَاءِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ، لَمْ يَصِحَّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُنْجِزَ الْعَامِلُ حَقَّهُ قَبْلَ رَبِّ الْمَالِ. وَلَنَا أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ، فَصَحَّ شِرَاءُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، كَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ.
[فَصْل شِرَاء الْمُضَارِب بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْس الْمَالِ]
(٣٦٦٩) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّ الْإِذْنَ مَا تَنَاوَلَ أَكْثَرَ مِنْهُ. فَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفًا، فَاشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ، ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا آخَرَ بِعَيْنِ الْأَلْفِ، فَالشِّرَاءُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِمَالٍ يُسْتَحَقُّ تَسْلِيمُهُ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ. وَإِنْ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ، صَحَّ الشِّرَاءُ، وَالْعَبْدُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ لِغَيْرِهِ مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي شِرَائِهِ، فَوَقَعَ لَهُ.
وَهَلْ يَقِفُ عَلَى إجَازَةِ رَبِّ الْمَالِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا.
[فَصْل الْمُضَارِب لَا يَطَأ أَمَة مِنْ الْمُضَارَبَة]
(٣٦٧٠) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ وَطْءُ أَمَةٍ مِنْ الْمُضَارَبَةِ، سَوَاءٌ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ، فَإِنْ فَعَلَ، فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ وَالتَّعْزِيرُ. وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ؛ لِأَنَّهَا عَلِقَتْ مِنْهُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ وَكَذَلِكَ وَإِنْ ظَهَرَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ، فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا. وَنَحْوُ هَذَا قَالَ سُفْيَانُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا شُبْهَةِ مِلْكٍ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الرِّبْحِ يَنْبَنِي عَلَى التَّقْوِيمِ، وَالتَّقْوِيمُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ السِّلَعَ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِمَّا قُوِّمَتْ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ، الْحَدِّ، لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ. (٣٦٧١) فَصْلٌ: وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْءُ الْأَمَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَيُعَرِّضُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَالتَّلَفِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ. وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ، صَارَتْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَوَلَدُهُ حُرٌّ كَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute