[مَسْأَلَة أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ]
(٣٨٩٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ، لَزِمَهُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَارِثَ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى مَوْرُوثِهِ، قُبِلَ إقْرَارُهُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.
وَيَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمَيِّتُ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً، لَمْ يُلْزَمْ الْوَارِثُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَدَاءُ دَيْنِهِ إذَا كَانَ حَيًّا مُفْلِسًا، فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَيِّتًا. وَإِنْ خَلَفَ تَرِكَةً، تَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِهَا، فَإِنْ أَحَبَّ الْوَارِثُ تَسْلِيمَهَا فِي الدَّيْنِ، لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا ذَلِكَ، وَإِنْ أَحَبَّ اسْتِخْلَاصَهَا وَإِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ، فَلَهُ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُهُ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ قَدْرِ الدَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْجَانِي. وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا، فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا.
وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَثَبَتَ الدَّيْنُ بِإِقْرَارِ الْمَيِّتِ، أَوْ بَيِّنَةٍ، أَوْ إقْرَارِ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، فَكَذَلِكَ. وَإِذَا اخْتَارَ الْوَرَثَةُ أَخْذَ التَّرِكَةِ وَقَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُهُمْ، لَزِمَهُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ، وَالْخِيرَةُ إلَيْهِ فِي تَسْلِيمِ نَصِيبِهِ فِي الدَّيْنِ أَوْ اسْتِخْلَاصِهِ.
وَإِذَا قَدَّرَهُ مِنْ الدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ، لَزِمَهُ النِّصْفُ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً، فَعَلَيْهِ الثُّلُثُ. وَبِهَذَا قَالَ النَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الدَّيْنِ، أَوْ جَمِيعُ مِيرَاثِهِ.
وَهَذَا آخِرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ رَجَعَ إلَيْهِ بَعْدَ قَوْلِهِ كَقَوْلِنَا؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَارِثُ مِنْهَا إلَّا مَا فَضَلَ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١٢] . وَلِأَنَّهُ يَقُولُ: مَا أَخَذَهُ الْمُنْكِرُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ. فَكَانَ غَاصِبًا، فَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِمَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ، كَمَا لَوْ غَصَبَهُ أَجْنَبِيٌّ.
وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْمِيرَاثِ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الدَّيْنِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَخُوهُ، وَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ يَتَعَلَّقُ بِحِصَّتِهِ وَحِصَّةِ أَخِيهِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا مَا يَخُصُّهُ، كَالْإِقْرَارِ بِالْوَصِيَّةِ، وَإِقْرَارِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ قَوْلِ الْمَيِّتِ، أَوْ إقْرَارِ الْوَارِثِينَ، لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا نِصْفُهُ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ بِإِقْرَارِهِ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ، كَالْوَصِيَّةِ، وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُ بِالدَّيْنِ مَعَ غَيْرِهِ تُقْبَلُ، وَلَوْ لَزِمَهُ أَكْثَرُ مِنْ حِصَّتِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا.
[فَصْلٌ ادَّعَى رَجُلَانِ دَارًا بَيْنهمَا مَلَكَاهَا بِسَبَبِ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ]
(٣٨٩٨) فَصْلٌ: إذَا ادَّعَى رَجُلَانِ دَارًا بَيْنَهُمَا، مَلَكَاهَا بِسَبَبٍ يُوجِبُ الِاشْتِرَاكَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَا: وَرِثْنَاهَا أَوْ ابْتَعْنَاهَا مَعًا. فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِنِصْفِهَا لَأَحَدِهِمَا، فَذَلِكَ لَهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُمَا اعْتَرَفَا أَنَّ الدَّارَ لَهُمَا مُشَاعَةً، فَإِذَا غَصَبَ غَاصِبٌ نِصْفَهَا، كَانَ مِنْهُمَا، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا ادَّعَيَا شَيْئًا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ، بَلْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَهَا، فَأَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا بِمَا ادَّعَاهُ، لَمْ يُشَارِكْهُ الْآخَرُ، وَكَانَ عَلَى خُصُومَتِهِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْتَرِفَا بِالِاشْتِرَاكِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute